المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

454

المرتكزة في ذهن العقلاء بحدودها، فبما أنّ الارتكاز العقلائي في الشبهات الحكميّة كان يفصّل بين ما قبل الفحص وما بعده قلنا في الشبهات الحكميّة بعدم جريان البراءة قبل الفحص، وهذا الوجه يجري في المقام ـ أيضاً ـ فيثبت لزوم الفحص في الشبهات الموضوعيّة؛ لما عرفت من أنّ الارتكاز العقلائي يقتضي الفحص حتّى في الشبهات الموضوعيّة، ويُجري البراءة بعد الفحص، إلّا أنّ هذا الوجه إنّما يثبت وجوب الفحص بمقدار ناقص أي: بمقدار ما يساعد عليه الارتكاز العقلائي، وهو المقدار الذي لا يكون المكلّف معه متهرّباً من التكليف ومغمضاً للعين عنه على ما مضى بيانه آنفاً عند التكلّم عن البراءة العقلائيّة.

الوجه الثاني: إيقاع المعارضة بين إطلاق البراءة في حديث الرفع وإطلاق المستثنى في البراءة القرآنيّة. وهذا الوجه لا يجري في المقام؛ لما قلنا في بحث البراءة من أنّ الآيات الدالّة على البراءة تختصّ بالشبهات الحكميّة(1).

الوجه الثالث: إبداء احتمال القرينة المتّصلة: وهي شدّة اهتمام النبي (صلى الله عليه وآله)بإفناء الشكّ في الشبهة الحكميّة، وهذا الوجه ـ أيضاً ـ لا يأتي في المقام، فإنّ ظهور حال النبي (صلى الله عليه وآله) في الاهتمام بإفناء الشكّ إنّما هو بلحاظ الشبهة الحكميّة؛ لأنّ حال النبي (صلى الله عليه وآله) إنّما كان بصدد علاج الشبهات الحكميّة، وكان يبيّن لهم الأحكام الكلّيّة، فانعقد من هذه الصيغة ظهور حال في أنّه(صلى الله عليه وآله)مهتمّ بإفناء تلك الشكوك بدرجة


(1) مضى منه رضوان اللّه تعالى عليه في محله أنّ قوله تعالى: ﴿لا يكلّف اللّه نفساً إلّا ما آتاها﴾ يعم الشبهة الموضوعيّة، وإذا كان كذلك فهذا الوجه يجرى في المقام أيضاً. نعم، إنّ هذا الوجه لا يفيد شيئاً أزيد من الوجه السابق، فإنّ الإتيان يعطي عرفاً معنى جعله في معرض الوصول الى المكلّف بحيث لو لم يتهرّب المكلّف من وصوله إليه ولم يغمض عينه عنه كان من الطبيعي وصوله إليه.

لا يقال: إنّه في الشبهة الموضوعيّة قد حصل الإيتاء حتماً؛ لأنّ كبرى التكليف واصلة إليه حسب الفرض.

فإنّه يقال: إنّ الكبرى وحدها غير قابلة للتنجّز وإنّما الذي يقبل التنجّز هو النتيجة، ولذا لو قطع بعدم الصغرى لم يؤثّر وصول الكبرى تنجيزاً عليه كما هو واضح.

فالواجب على المكلّف هو عدم التهرّب من وصول النتيجة إليه وعدم غمض العين عنه وعلى أيّة حال فقد مضى منّا ـ في بحث آيات البراءة تعليقاً على كلام اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) ـ توضيح عدم تماميّة دلالة هذه الآية على البراءة.