المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

453

المحكوم عليهم على إيصال تلك الأحكام الى مقام معيّن، والمحكوم عليه يذهب الى ذلك المقام فيفحص عن تلك الأحكام، لا أنّها تصل الى كلّ إنسان في بيته، فمثلاً: القوانين المجعولة من قبل الحكومة تنشر في صحيفة رسمية، ومن أراد تطبيقها لا بدّ له أن يطالع الصحيفة ويطبّقها، وهكذا لو كانت الحكومة تنشر قوانينها عن طريق الإذاعة مثلاً، فعلى الناس أن يستمعوا إليها، فعدم الذهاب الى ذلك المقام هو بنفسه إغماض العين، إلّا أنّ إغماض العين يختلف مصداقه باختلاف طبيعة الشبهة، وطبيعة كيفية وصول الحكم. إذن فبالإمكان أن ننتزع هذا العنوان الجامع بين الشبهتين بأن نقول: إنّ القاعدة العقلائيّة لا تشمل الموارد التي لم يتحقّق فيها هذا المقدار الجامع من الفحص، أي: المقدار الذي يصدق معه عدم التهرّب وعدم غمض العين وإن اختلف مصداق هذا الجامع باختلاف طبيعي الشبهة(1). نعم، خروج ما قبل الفحص في الشبهات الحكميّة عن البراءة يكون أوضح بحسب الارتكاز العقلائي منه في الشبهات الموضوعيّة.

هذا حال البراءة العقلائيّة، ولكن تحقيق البراءة العقلائيّة وتحديد حدودها بما هي براءة عقلائيّة لا ينفعنا؛ لأنّنا نتكلّم تجاه المولى الحقيقي لا تجاه مولىً جعلت مولويّته في المجتمع العقلائي، إلّا أنّ هذا ينفعنا في فهم دليل البراءة الشرعيّة على ما تقدّم، وعلى ما تأتي الإشارة إليه.

هذا هو الكلام على مستوى البراءة العقليّة، فالبراءة العقليّة لا وجود لها، وقد حوّلناها الى براءة عقلائيّة، والبراءة العقلائيّة لا تشمل ما قبل الفحص في المورد الذي يصدق فيه التهرّب وغمض العين.

بلحاظ البراءة الشرعيّة

وأمّا البراءة الشرعيّة: ففي مقام تحقيق اختصاصها بما بعد الفحص وعدمه نرجع الى ما مضى من الوجوه التسعة؛ لاختصاصها بما بعد الفحص في الشبهات الحكميّة، لنرى أنّه هل يتمّ منها شيء هنا، أو لا؟ فنقول:

الوجه الأوّل: أنّ دليل البراءة له ظهور في أنّه دليل إمضائي، فهو يمضي البراءة


(1) لنا كلام حول هذا الأمر يأتي ـ إن شاء اللّه ـ قريباً في البراءة الشرعيّة في تعليقنا في الوجه السابع من وجوه الفحص.