المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

448

الغربة والوحدة، والمحدّث في الخلوة، والدليل في السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين على الأخلاّء، يرفع اللّه به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة تُقتبس آثارهم، ويُقتدى بفعالهم، ويُنتهى الى آرائهم، ترغب الملائكة في خلّتهم، وبأجنحتها تمسحهم، وفي صلواتها تبارك عليهم، يستغفر لهم كلّ رطب ويابس حتّى حيتان البحر وهوامّه وسباع البر وأنعامه ...» إلى آخره(1).

وهذه الروايات لا ينبغي الإشكال في دلالتها على وجوب طلب العلم، إلّا أنّ حمل العلم فيها على مجرّد الاطّلاع على الأحكام اللزوميّة الواقعة في محلّ ابتلاء المكلّف سواءٌ كان الاطّلاع عليها عن طريق الاجتهاد أو التقليد ـ وهذا هو وجوب الفحص الذي نتكلّم عنه في المقام ـ خلاف الظاهر، وإنّما الظاهر منها: هو أن يكون المراد بالعلم مرتبة من الثقافة الإسلاميّة التي كان يعبّر عنها في عصور المجتمع الإسلامي ـ وقتئذ ـ بالعلم بقول مطلق، وحتّى الآن يعبّر بكلمة (العلم) عن مرتبة خاصّة من الثقافة المعمّقة، وهذه المرتبة نشأت منذ عصر النبي (صلى الله عليه وآله)، ونمت بعد ذلك في عصور الأئمة (عليهم السلام)، فإنّ جملة من الصحابة تميّزوا بقريحة فقهيّة، وبحفظ الآثار والأخبار بحيث كانوا مرجعاً في الحلال والحرام بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، ومثل هذا التمييز حصل في جملة من أصحاب الأئمة (عليهم السلام)على طول الخط منذ زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) الى أيام الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، فإنّ هناك جماعة كانوا في كلّ جيل يحملون ثقافة الشريعة الإسلاميّة وأحكامها حملاً اجتهاديّاً تفصيليّاً على مستوى وضع العلم وقتئذ، (لا على مستواه في هذا المراحل التي نحن نعيشها)، وهذا المعنى من العلم لا يفرق فيه بين الأحكام الداخلة في محلّ ابتلاء الشخص وغيرها، ولا يشمل هذا العلم مجرّد التقليد، وكلّ مرتبة من مراتب المعرفة البسيطة، والعلم وإن كان لغة بمعنى الانكشاف، لكن بحسب المصطلح العرفي السائد اجتماعيّاً منذ عصر الأئمة والى يومنا هذا يطلق على مرتبة مخصوصة معمّقة من المعرفة، وليس كل انكشاف علماً، فتكون هذه الروايات ظاهرة في هذا المعنى، وتؤيّد ذلك القرائن المنتشرة في نفس متون الروايات، فمثلاً: في بعض الصيغ ذكرت المقارنة بين حال العالم وحال الجاهل، وذكرت في بعض الصيغ فوائد العلم وشأن العالم وجلاله، وأنّ العلم يؤنس الإنسان في وحشته وفي غربته، وهو السلاح على


(1) نفس المصدر: ح 7.