المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

444

تنفع بعد الوصول الاتفاقي.

هذا. وقد جاء في تقرير بحث المحقّق العراقي (قدس سره)(1) عدّة اعتراضات على الاستدلال بهذه الروايات لإثبات وجوب الفحص:

الاعتراض الأوّل: ما ورد بصيغة مجملة؛ إذ جاء في التقرير: أنّ بالإمكان حمل هذه الروايات على موارد العلم الإجمالي الذي هو الغالب في الشكّ قبل الفحص.

أقول: من الواضح أنّ مجرّد هذا الإمكان وحده غير كاف في إبطال الاستدلال بهذه الروايات، بل لا بدّ من تطبيق ذلك على الصناعة حتّى تحمل تلك الأخبار عليه، والظاهر بحسب الصناعة عدم إمكان هذا الحمل؛ لظهور هذه الروايات في أنّها في مقام بيان استدعاء عدم العلم للفحص، لا في مقام بيان استدعاء العلم للفحص. فمثلاً: ورد في بعضها: أنّ العبد العاصي يقال له: لِمَ لم تعمل؟! فإذا قال: لم أكن أعلم قيل له: لِمَ لم تتعلّم؟!(2)، فظاهر مثل هذا اللسان هو أنّ عدم العلم بنفسه كان يحتّم عليه أن يتعلّم وأن يتصدّى للسؤال، فلزوم التصدّي للسؤال والتعلّم من تبعات أنّه لم يكن يعلم، لا من تبعات العلم الإجمالي، ومثل هذا الظهور غير قابل للإنكار.

أمّا لو غضضنا النظر عن هذا الاستظهار فلا بدّ من ملاحظة سعة المدلول وضيقه، وملاحظة النسبة بينه وبين دليل البراءة في مقام الجمع بين الدليلين.

وهنا يقال: إنّ هذا الدليل في نفسه مطلق يشمل موارد العلم الإجمالي وغيرها، وأمّا دليل البراءة فلا إشكال في أنّه لا يشمل موارد العلم الإجمالي؛ لتساقط الاُصول في أطرافه، وهذا بحسب مختارنا يكون من باب المخصّص الارتكازي المتّصل كما مضى شرحه، وبحسب مختار المشهور يكون من باب المخصّص المنفصل، وهو حكم العقل بقبح المخالفة القطعيّة.

فإن بنينا على الثاني فدليل البراءة مطلق فوقاني يشمل موارد العلم الإجمالي وغيرها، ويشمل ما قبل الفحص وما بعده، وقد ورد عليه مخصّصان في عرض واحد، أحدهما: حكم العقل المخرج لموارد العلم الإجمالي، والثاني: روايات التعلّم المخرجة لما قبل الفحص، فلا بدّ من تخصيص دليل البراءة بكلا


(1) راجع القسم الثاني من الجزء الثالث من نهاية الأفكار، ص 474 - 475.

(2) راجع جامع أحاديث الشيعة: ج 1، ب 1 من المقدّمات، ح 25، ص 94.