المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

438

الموقف الثاني: ما سلكه المحقّق العراقي (قدس سره)(1) والسيّدالاُستاذ (2)، وهو أنّ الاُصول لم تكن متساقطة بالتعارض، بل كانت غير جارية بنفسها لمنجّزيّة الاحتمال قبل الفحص على فرق بين كلام المحقّق العراقي والسيّد الاُستاذ، فالمحقّق العراقي ذكر احتمال وجود خبر الثقة وقال: إنّ هذا منجّز قبل الفحص. والسيّد الاُستاذ ذكر احتمال الواقع، وقال: إنّه منجّز قبل الفحص. وروح المطلب واحد، وهو أنّ الاحتمال قبل الفحص ليس مجرىً للبراءة، بل هو منجّز، وفي كلّ مورد فحصنا ولم نجد خبر ثقة نجري في خصوص ذلك المورد البراءة، ولا معارض لها الى أن نفحص عن تمام الموارد، فنجري البراءة عن التكليف في خصوص الموارد التي ليس فيها خبر ثقة، ولا معارض لهذه البراءة.

وهذا الكلام متين، إلّا أنّ معنى ذلك: هو الاعتماد في إبطال البراءة قبل الفحص على وجه آخر غير العلم الإجمالي.

فالمحقّق العراقي (قدس سره) الذي لم يذكر في المقام أيّ وجه لعدم جريان البراءة قبل الفحص عدا العلم الإجمالي، لا ينسجم موقفه في المسألة الاُولى في مقابل الأخباري مع موقفه فيمانحن فيه؛ لاقتصاره في نفي البراءة قبل الفحص على مسألة العلم الإجمالي، وهذا يعني أنّه بغض النظر عن العلم الإجمالي لا مانع عن إجراء البراءة قبل الفحص، وعليه فيرجع إشكال الأخباري في مبحث البراءة والاشتغال


وبالإمكان أن يدمج هذا الموقف مع ما سيأتي في المتن من الموقف الثالث، فيقال: إنّ الاُصول المؤمّنة في مورد أخبار الثقات غير جارية ابتداءً إمّا للقول بأنّ التنافي بين الأحكام الظاهريّة ثابت قبل الوصول، أو لأنّ أخبار الثقات الحجّة واصلة منذ البدء وصولاً إجماليّاً.

أمّا لو قلنا بأنّ الأخبار الحجّة غير واصلة إلينا في أوّل أزمان العلم الكبير؛ لأنّ العلم الكبير ثابت في بدء بلوغ المكلّف، وفي بدء البلوغ قد لا يعلم المكلّف بوجود أخبار حجّة، بل يحتمل الانسداد مثلاً، فالأولى ـ عندئذ ـ أن يحذف هذا المقطع، ويقتصر في الموقف الأوّل على ذكر الانحلال الحقيقي، وفي الموقف الثالث على ذكر أنّ أخبار الثقات منعت عن جريان الاُصول في موردها منذ البدء؛ لأنّ الأحكام الظاهريّة تتعارض فيما بينها حتّى قبل الوصول.

(1) لم أرَ ذلك في كلمات المحقّق العراقي (رحمه الله)، بل هو يرى أنّ دليل البراءة الشرعيّة يشمل ما قبل الفحص ما لم يمنع عنه مانع كالعلم الإجمالي. راجع المقالات: ج 2، ص 108، ونهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 469.

(2) راجع مصباح الاُصول: ج 2، ص 493.