المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

436

ولحلّ هذا التهافت نستعرض عدّة مواقف للاُصوليّ في مقام إبطال شبهة الاحتياط بعد الفحص؛ لكي يتّضح انسجامها مع موقفه في مسألة الاحتياط قبل الفحص.

الموقف الأوّل: هو أنّنا لا ندّعي انحلال العلم الإجمالي الكبير بما نظفر به من أخبار الثقات، بل ندّعي انحلاله بالعلم الإجمالي الصغير بالتكاليف الواقعيّة في ضمن أخبار الثقات، أو بالعلم الإجمالي بوجود أخبار حُجّة، وهي أخبار الثقات ضمن مطلق الأخبار، وهذا العلم الإجمالي مقارن زماناً للعلم الإجمالى الكبير(1).

وهذا الموقف ينسجم تمام الانسجام مع موقف الاُصولي هنا؛ لأنّه أجاب هناك عن العلم الكبير المقتضي للاحتياط حتّى بعد الفحص: بانحلاله بالعلم الصغير، وهنا تمسّك بالعلم الصغير لإيجاب الاحتياط قبل الفحص.

إلّا أنّ هذا الموقف في نفسه لم يكن موقفاً صحيحاً.

فإنّه إن اُريد حلّ العلم الكبير انحلالاً حقيقياً بالعلم الصغير في دائرة أخبار الثقات، فهنا علم صغير ـ أيضاً ـ في دائرة الشهرات مثلاً، وكذا في دوائر اُخرى، ولا وجه لانحلال العلم الكبير ببعضها دون بعض، أو قل: إنّنا نعلم إجمالاً بتكاليف مائة في مادّة الاجتماع بين الشهرات وأخبار الثقات، أو مائتين في مادّتي الافتراق مثلاً على ما مضى شرحه وتنقيحه في محله.

وإن اُريد حلّ العلم الكبير بفرض علم صغير بالحجّة في دائرة الأخبار؛ لإيقاع التعارض بين الأصل في بعض موارد الخبر بالأصل في البعض الآخر، فكون الأصل في مورد الخبر الذي هو مورد للشهرة ـ أيضاً ـ معارضاً بالأصل في مورد الخبر الذي


(1) والعلم الإجمالي بالتكاليف الواقعيّة ضمن ما في معرض الوصول من أخبار الثقات يحلّ الإشكال حتّى لو لم يفرض مقارناً للعلم الإجمالي الكبير؛ وذلك لأنّه يوجب الانحلال الحقيقي، لا الانحلال بملاك تعلّق المنجّز التعبّدي ببعض أطراف العلم الإجمالي، ولا أثر لتقارنه للعلم الإجمالي الكبير في المقام؛ لأنّه رغم التقارن لا يتصوّر الانحلال، إلّا في فترة متأخّرة، أي: بعد تعارض الاُصول في أطراف العلم الكبير وتساقطها؛ لأنّ العلم الصغير ما دامت أطرافه مردّدة ضمن أطراف العلم الكبير يستحيل إفناؤه للعلم الكبير، وإنّما يفنيه بعد الفحص بمقدار تمتاز أطرافه عن سائر أطراف العلم الكبير. وسوف نوضّح ذلك أكثر في تعليقنا في التنبيه الرابع من التنبيهات الآتية في نهاية هذا البحث.