المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

433

الظاهريّة ناشئة من ملاكات الأحكام الواقعيّة على تفصيل مضى في محله.

وأمّا على مبنى المشهور من عدم التنافي بين الأحكام الظاهريّة بوجوداتها الواقعيّة؛ لكونها ناشئة من ملاكات في أنفسها فلا يقع التعارض بين أدلّتها، وإنّما يكون التنافي بينها بعد الوصول بلحاظ التنجيز والتعذير، فلا يتمّ هذا الوجه؛ إذ لا مانع ـ عندئذ ـ من التمسّك بدليل البراءة لعدم المنافاة بين البراءة وما يحتمل من وجود حكم ظاهري آخر على خلافها بلحاظ وجود خبر ثقة على الخلاف.

لا يقال: إنّ مقتضى ما ذكرتموه من المبنى عدم التمسّك بالأصل حتّى بعد الفحص؛ لاحتمال ورود خبر لم يصل، أو صدور كلام من الإمام (عليه السلام) ظاهر في حكم إلزامي ولم يصل ذلك الكلام.

فإنّه يقال: إنّ أدلّة حجّيّة خبر الثقة كبناء العقلاء وكقوله: «ما أدّيا إليك عني ...» لا تشمل ما ليس في معرض الوصول.

وكذلك الحال في دليل حجّيّة الظهور، فهو لا يشمل ظهوراً ليس في معرض الوصول؛ لأنّه مضى منّا فيما سبق بيان أنّ حجّيّة ظهور كلام الشارع إنّما تثبت بالنهاية بعمل أصحاب الأئمة (عليهم السلام)، وهذا لا يثبت أزيد من حجّيّة ظهور في معرض الوصول(1).

 


(1) بل الصحيح: أنّ دليل حجّيّة الأمارة لا يشمل إلّا الأمارة الواصلة بالفعل، فالارتكاز العقلائي مختصّ بالأمارة الواصلة. وقوله عليه السلام: «ما أدّيا إليك عنّي ...» لا يشمل عدا ما وصل، وقوله تعالى: ﴿إن جاءكم فاسق بنبأ﴾(1) يدلّ مثلاً على أنّه إن جاءكم عادل بنبأ، أي: إن وصلكم نبأ العادل لم يجب التبيّن، وقوله عليه السلام: «خذ عنه معالم دينك» لا يدلّ على أكثر من حجّيّة ما أخذ، وإنّما يجب الأخذ منه ـ بالرغم من أنّه قبل الأخذ لم يتمّ الوصول ـ لتماميّة تنجيز الواقع بالعلم الإجمالي، أو بالشكّ قبل الفحص، أو بمجرّد الاحتمال، فلابدّ لنا ـ تحصيلاً للأمن والفراغ ـ من الرجوع والأخذ من الثقة؛ لكي يتمّ وصول الأمن، فيصبح حجّة بالوصول، ويتحقّق بذلك لنا الأمن عمّا تنجّز علينا، وكذلك ارتكاز الفحص عن الأمارة المحتملة التي هي في معرض الوصول يكون من باب وجود منجّز سابق نفحص عن تأمين من قبله، لا من باب حجّيّة الأمارة التي هي في معرض الوصول، وسائر العناوين المأخوذة في الأدلّة


(1) س 49، الحجرات، آية 6.