المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

430

ومن المعلوم أنّ هذا القانون عند العقلاء ليس في فرض كون الحكم في معرض الوصول مع عدم تصدّي العبد للاطّلاع عليه(1).

الوجه الثاني: ما هو المختار ـ أيضاً ـ من عدم تماميّة المقتضي(2)، لكن لا بمعنى عدم الإطلاق في جميع أدلّة البراءة كما ذكرناه في الوجه الأوّل، بل بلحاظ مجموع أدلّة البراءة.

وتوضيح ذلك: أنّه لم يتمّ عندنا من أخبار البراءة من حيث السند والدلالة معاً إلّا حديث الرفع، وبغضّ النظر عن الوجه الماضي والوجه الآتي يكون هذا الحديث مطلقاً شاملاً لما قبل الفحص، وتمّت عندنا من الكتاب آيتان: وهما قوله تعالى: ﴿لا يكلّف اللّه نفساً إلّا ما آتاها(3) وقوله تعالى: ﴿وما كان اللّه ليُضلّ قوماً بعد إذ هداهم حتّى يُبيّن لهم ما يتّقون(4).

وهاتان الآيتان تدلاّن بلحاظ المستثنى منه على البراءة، وبلحاظ المستثنى على عدم البراءة عند ثبوت الإيتاء والتبيين، وليس المفهوم عرفاً من الإيتاء والتبيين أن يطرق المولى باب دار كلّ واحد من عبيده ويخبره بالحكم مثلاً، بل يصدق الإيتاء والتبيين بمجرّد جعل الحكم في معرض الوصول، وهذا أعمّ من فرض الوصول فعلاً وعدمه. كما أنّ حديث الرفع أعمّ من عدم الوصول لعدم الفحص وفرض عدم الوصول بعد الفحص، فالنسبة بينهما عموم من وجه، ومتى ما وقع التعارض بين الكتاب والخبر غير القطعي بالعموم من وجه قدّم الكتاب على الخبر(5).


(1) وهذا البيان بعينه يأتي فيما لو اُريد التمسّك بأدلّة البراءة التي هي في المرتبة الثانية ـ أعني في مرتبة البراءة العقليّة ـ أي التي موضوعها الشكّ في الواقع وفي وجوب الاحتياط، فإنّها ـ أيضاً ـ منصرفة بنفس النكتة الى ما بعد الفحص عن الواقع وعن إيجاب الاحتياط لا الى خصوص ما بعد الفحص عن إيجاب الاحتياط، والمفروض أنّه لم يتمّ بعد في المقام الفحص عن الواقع، ولم يكن موضوعها الشكّ في وجوب الاحتياط فقط حتّى يفترض أنّ إطلاقها إنّما ينصرف عن فرض عدم الفحص عن وجوب الاحتياط، وأنّنا لو فحصنا عن وجوب الاحتياط ولم نحصل على دليل عليه تمسّكنا بإطلاق دليلها رغم عدم الفحص عن الواقع.

(2) ويمكن تسمية هذا الوجه ببيان وجود المانع.

(3) س 65، الطلاق، الآية 7.

(4) س 9، التوبة، الآية 115.

(5)لايقال: إنّنا ننفي احتمال الإيتاء والتبيين لدى شكّنا في ذلك قبل الفحص بالاستصحاب،