المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

429

بلحاظ البراءة الشرعيّة

وأمّا البراءة الشرعيّة: فالمشهور فيها أنّ دليلها له إطلاق لما قبل الفحص، إلّا أنّه يوجد مانع عقلي، أو شرعي عن التمسّك بهذا الإطلاق، لكنّ الصحيح عندنا قصور المقتضي في نفسه.

وعلى أيّ حال، فهنا وجوه عديدة لإثبات اختصاص البراءة بما بعد الفحص، بعضها يرجع الى إثبات قصور المقتضي، وبعضها يرجع الى إثبات وجود المانع العقلي، وبعضها يرجع الى إثبات وجود المانع الشرعي كما يظهر ذلك ببياننا لتلك الوجوه:

الوجه الأوّل: ما هو المختار من عدم تماميّة المقتضي وعدم الإطلاق في جميع أدلّة البراءة. ويظهر ذلك بذكر مقدّمتين:

الاُولى: ما تقدّم آنفاً عند إنكار البراءة العقليّة رأساً من أنّ ما يحسّ به من كون الأصل الأوّلي هو البراءة إنّما هو أصل عقلائيّ بنى عليه جميع المجتمعات البشريّة في المولويّات المجعولة لهم، فأصبح أصلاً أوّليّاً مرتكزاً في أذهانهم.

الثانية: أنّه مهما وجد ارتكاز عقلائيّ بنكتة عامّة في موارد، وورد من الشارع نصّ يطابق ذاك القانون العقلائيّ انعقد ظهور عرفي لذلك الكلام في إمضاء نفس ذلك القانون ونكتته، فيتبعها في السعة والضيق، وإن فرض أنّ نصوص العبارة كانت تختلف بحسب المداليل اللغويّة عن ذلك. وهذا نظير ما نقوله في دليل حجّيّة خبر الثقة من أنّه يعدّ إمضاء لما ارتكز في أذهان العقلاء من حجّيّة خبر الثقة بنكتة معيّنة، ويتبع ذلك سعة وضيقاً.

وعليه نقول فيما نحن فيه: إنّ دليل البراءة منصرف الى إمضاء القانون العقلائيّ ونكتته، وهو قانون المعذّريّة لدى عدم وصول الحكم، ويتبعه سعة وضيقاً،


إذن فقاعدة (قبح العقاب بلا بيان) تجري حتّى بعد الفحص.

وإن فرضنا أنّ مولويّته تشمل الحكم المحتمل، أو احتمال الحكم لدى وجود بيان قابل للوصول بالفحص، أو لدى احتمال البيان القابل للوصول بالفحص، إذن لا تجري البراءة العقليّة قبل الفحص وتجري بعد الفحص، ولا يمكن البرهنة على أيّ فرض من هذه الفروض.

والصحيح عندنا هو الفرض الأوّل.

ولو اُريد قياس المولويّة الذاتيّة بالمولويّات العقلائيّة اتّجه الفرض الثالث.