المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

428

وأمّا في أحكامه تعالى فحيث عرفت أنّ البراءة عقلائيّة لا عقليّة فلا موضوع للبراءة العقليّة فيها حتّى يقال: هل تختصّ بما بعد الفحص، أو تشمل ما قبل الفحص؟ والمشهور لدى القائلين بالبراءة العقليّة هو اختصاصها بما بعد الفحص(1).


(1) والمحقّق الإصفهاني (قدس سره) ذهب الى أنّه بعد فرض انحلال العلم الإجمالي لا تختصّ البراءة العقليّة بما بعد الفحص، فإذا انحلّ العلم الإجمالي بالأحكام لدى العبد بحصوله على المقدار المعلوم بالإجمال مثلاً، ثمّ شكّ في حكم ما جرت بشأنه البراءة العقليّة حسب ما يراه المحقّق الاصفهاني(رحمه الله)(1).

وكان المقرَّر أن يبحث اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) كلام المحقّق الاصفهاني في المقام، ولكنّه أخيراً أضرب صفحاً عن ذلك ولم يبحثه.

وحاصل ما ذكره المحقّق الاصفهاني (رحمه الله) ـ بعد تنقيح وتحسين منّا مع إسقاط التشويشات الموجودة في كلامه ومع حمل كلامه على أفضل محتملاته ـ هو أن يقال:

إنّ اختصاص قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) بما بعد الفحص ينشأ من أحد وجهين:

الأوّل: دعوى أنّ البيان القابل للوصول بيان قاطع للعذر ومنجّز للتكليف، فاحتماله يؤدّي الى احتمال التكليف المنجّز، واحتمال التكليف المنجِّز منجّز عقلاً.

والجواب عن ذلك: أنّ محرّكيّة البيان إنّما تكون بالوصول الفعلي، وليس البيان بوجوده الواقعي قابلاً للتحريك ورافعاً لموضوع قاعدة (قبح العقاب بلا بيان).

والثاني: أنّ التكليف وإن لم يتنجّز بمجرّد البيان القابل للوصول ما لم يصل فعلاً فيقبح العقاب عليه، لكنّ العقاب يكون على ترك الفحص عن حكم عمل ارتكبه، فَتَرْكُ العبد للفحص عن حكم ما يرتكبه رغم علمه بأنّ بيان المولى عادة لا يصله إلّا بالفحص خروجٌ عن زيّ العبوديّة وظلم للمولى وقبيح عقلاً.

والجواب عن ذلك: أنّه بعد فرض عدم تنجّز التكليف الواقعي المحتمل قبل الفحص كما مضى في الجواب عن الوجه الأوّل لا نحسّ بقبح في عدم الفحص عنه، أو في الإقدام على مخالفته بلا فحص.

أقول: واقع المطلب هو ما يقوله اُستاذنا الشهيد (رحمه الله): من أنّ المهمّ هو معرفة مدى سعة دائرة مولويّة المولى تعالى، فإن فرضنا أنّ مولويّته تشمل مطلق الحكم ـ الثابت في الواقع ـ المحتمل لدى العبد، أو مطلق احتمال الحكم، ثبت العقاب على الحكم المحتمل، أو احتمال الحكم لدى المخالفة، ولا يبقى مورد لقاعدة (قبح العقاب بلا بيان).

وإن فرضنا أنّ مولويّته لا تشمل غير الحكم الواصل وصولاً فعليّا، أو غير العلم بالحكم


(1) راجع نهاية الدراية ج 2، ص 305 - 306.