المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

427

بحسب ما وَصَلَنا من كلماتهم، فكانت البراءة العقليّة في أزمنة الشيخ الطوسي الى المحقّق والعلاّمة تفسّر باستصحاب حال العقل الحاكم بعدم التكليف قبل الشريعة، وبعد هذا جعلت البراءة العقليّة أمارة من الأمارات من باب أنّ عدم وجود دليل على الحكم دليل على العدم، وبعد هذا اُرجِعت البراءة العقليّة الى قانون استحالة التكليف بغير المقدور خلطاً بين الجهل بالحكم بمعنى الإبهام المطلق والشكّ في وجود حكم معيّن وعدمه.

وواقع المطلب: هو أنّ هذه القاعدة ـ أعني قاعدة قبح العقاب بلا بيان ـ قاعدة عقلائيّة لا عقليّة كما تخيّلوا، حيث مضى تقسيم المولويّة، الى المولويّة الذاتيّة والمولويّات المجعولة، وقلنا: إنّ معنى قبح العقاب بلا بيان: هو أنّ المولى ليس من حقّه أن يعاقب على مخالفة حكمه عند عدم العلم به، وهذا يعني أنّه ليس من حقّه وجوب الامتثال في أحكامه المشكوكة، ومعنى ذلك: أنّ مولويّته تختصّ بالأحكام المعلومة ولا مولويّة له في دائرة الأحكام المشكوكة، إذن ففي مقام تشخيص صحّة البراءة العقليّة وعدمها يجب الرجوع الى مدرك المولويّة لنرى سعة المولويّة وضيقها. وفي المولويّات المجعولة من قبل العقلاء نرجع الى الجعل ونرى أنّه غير ثابت في دائرة التكاليف المشكوكة، وأنّ العقلاء بحسب جعولهم وارتكازاتهم يخصّون المولويّة بالتكاليف الواصلة. وهذا معنى قولنا: إنّ هذه قاعدة عقلائيّة.

وقد تمركزت هذه القاعدة العقلائيّة في أذهان العقلاء، وتعمّقت في نفوسهم الى درجة وقع الاشتباه بينها وبين القاعدة العقليّة، وتخيّل أنّ هذه قاعدة عقليّة نابعة من صميم العقل. وإذا رجعنا الى المولويّة الذاتيّة فلا بدّ أن نرجع الى مدرك مولويّته تعالى، وهو بداهة العقل، فمولويّته أمر واقعي ثابت يدركه العقل كإدراكه لأصل وجوده تعالى، ولا يمكن البرهنة على سعة هذه المولويّة أو ضيقها. ونحن يحكم عقلنا بالبداهة: أنّ مولويّة المولى تعالى تشمل التكاليف المعلومة والمظنونة والمشكوكة والموهومة، وأنّه لا أساس لقاعدة البراءة العقليّة.

هذا. وإذا راجعنا المرتكز العقلائي والقاعدة العقلائيّة، نرى أنّ حكمهم بعدم المولويّة وعدم حقّ الامتثال على العبد وحقّ العقاب لدى مخالفته إنّما يختصّ بما بعد الفحص، ولا تجري القاعدة بمجرّد عدم تصدّي العبد للفحص عن حكم مولاه وبقائه شاكّاً في الحكم، هذا في أحكام المولويّات الاجتماعيّة.