المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

378

أمـّا الجهة الاُولى: فالتحقيق فيها: أنّ عدم إمكان خطاب الناسي بالأقلّ إنّما يكون لو لم يتصوّر الخطاب بنحو يكون موضوعه الأعمّ من الناسي والمتذكّر، ويكون مع ذلك مثمراً لما هو المطلوب، في حين أنـّه يمكن تصوير ذلك بنحوين:

الأوّل: أن يخاطب المكلّف الجامع بين الناسي والمتذكّر بالإتيان بالجامع بين الأقلّ المقرون بالنسيان والأكثر، وهذا الخطاب ـ كما ترى ـ يصل إلى الناسي ويحرّكه، غاية الأمر أنّ الناسي يتخيّل أنـّه تحرّك نحو الفرد الثاني في حين أنـّه تحرّك نحو الفرد الأوّل، وهذا لا ضير فيه، من قبيل أن يأمر المولى بالجامع بين الصلاة في المسجد والصلاة في البيت، ويصلي أحد في البيت متخيّلاً أنـّه المسجد وأنّ صلاته في المسجد.

والثاني: أن يخاطب المكلّف بالإتيان بالمقدار الذي يكون ملتفتاً إليه، وهذا الخطاب يحرّك كلّ أحد نحو المقدار الملتفت إليه، وهذا المقدار يختلف باختلاف الأشخاص، وكل أحد يعتقد أنـّه من أتمّ الناس التفاتاً، فالناسي يتخيّل أنـّه يأتي بتمام الأجزاء؛ لأنّه ملتفت إلى تمامها، في حين أنـّه ليس ملتفتاً إلى التمام، ويأتي بالمقدار الملتفت إليه بتحريك نفس ذلك الخطاب.

ولا فرق في تأتّي هذين النحوين من التصوير بين ما لو فرض المكلّف ناسياً في بعض الوقت وما لو فرض استمرار نسيانه إلى آخر الوقت، غاية الأمر أنـّه على الأوّل يكون من الواضح أنّ الناسي لو كان مكلّفاً بشي فليس مكلّفاً بخصوص الأقلّ ضرورة جواز تأخيره للصلاة إلى حين الذكر، ومع فرض التأخير سيأتي بالأكثر.

والقاسم المشترك بين هذين الوجهين هو أنّ الناسي ليس محتاجاً إلى خطاب على حدة حتّى يستشكل فيه بعدم إمكانيّة محركيّته للناسي، بل يمكن تصوير خطاب واحد عام موضوعه مطلق المكلّف بأحد النحوين.

والإنصاف: أنّ شبهة عدم إمكان توجيه الحكم إلى الناسي لم تكن تستحق الذكر والبحث في نفسها، وإنّما بحثناها لاهتمام الأصحاب بها من زمان الشيخ الأعظم (قدس سره) إلى زماننا هذا.

وممّا ذكروه بصدد الجواب عن هذه الشبهة هو ما ذكره المحقّق الخراساني (رحمه الله)(1)


(1) راجع الكفاية: ج 2، ص 240 بحسب الطبعة المشتملة على تعليقة المشكيني.