المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

375

مقابل إيجاب الاحتياط، فيشترط فيه تعلّقه بما يمكن إيجاب الشرع للاحتياط اتجاهه، فإن لم يكن قابلا لإيجاب الاحتياط اتجاهه لم تجرِ البراءة عنه ولو فرض قابلاً للوضع الواقعي، ومثال ذلك جزئيّة السورة للصلاة، حيث مضى أنّها وإن كانت قابلة للوضع الواقعي بتبع وضع منشأ انتزاعها لكنّها لا تقبل إيجاب الاحتياط اتجاهه؛ لأنّها ليست شيئاً قابلاً للتنجيز على المكلّف، فلا يمكن إجراء البراءة عن الجزئيّة، وإن كان قابلاً للتنجيز وإيجاب الاحتياط تجاهه جرت عنه البراءة ولو لم يكن له وضع واقعي، فالسببيّة أو جزئيّة الزائد للسبب لا يكفي لنفي جريان البراءة عنها افتراض أنـّه ليس لها وضع واقعي، وإنّما المهم أن نرى أنّها هل تدخل في العهدة، وتقبل التنجيز، وإيجاب الاحتياط تجاهها أو الذي يدخل في العهدة إنّما هو المسبّب؟

وتحقيق الحال في ذلك: أنّ نفس عنوان الجزئيّة أو السببيّة لا معنى لقبوله للتنجيز، أو لإجراء البراءة عنه ـ كما أشرنا إلى ذلك ـ لكنّنا نقول: إنّه إن كان المحصّل عرفيّاً فنفس كونه عرفيّاً قرينة على أنّ المولى لم يتكفّل بيان السبب، بل أوكله إلى العبد، فإذا قال: اقتل الكافر فكأنّه صرّح بأنّي اُريد منك قتل الكافر، أمـّا تحقيق أنـّه هل يحصل ذلك بإطلاق رصاص واحد أو بإطلاق رصاصين، فهو موكول إليك، ولست أنا متكفّلاً لبيانه، وأمـّا إذا كان المحصّل شرعيّاً وغير مفهوم عند العرف، فنفس عدم تعيّنه عند العرف قرينة عامّة على أنّ المولى هو الذي تكفّل بيان السبب، ومقدار اهتمام المولى بغرضه يكون بمقدار بيانه للسبب، فالعقل هنا لا يحكم بلزوم إحراز غرضه، بل يحكم بلزوم الإتيان بما بيّنه من السبب، فإنّ الغرض الذي لم يبلغ مستوى يحرّك المولى نحو تحصيله لا يحكم العقل بلزوم الإتيان به، فالذي يدخل في العهدة هنا إنّما هو المقدار الذي بيّنه المولى من السبب، وعندئذ لو شككنا في بيان المولى لدخل جزء زائد في السبب وعدمه، فإنّه تجري عنه البراءة بلا إشكال، لا بمعنى جريان البراءة عن نفس السببيّة ودخل هذا الجزء في السبب، بل بمعنى جريان البراءة عن بيان المولى لذلك.

والخلاصة: أنّ المجعول الإنشائي للمولى وإن فرض هو إيجاب الغرض كما لو قال: طهّر ثوبك للصلاة مثلاً، وسببيّة الغسلة الثانية للطهارة ليست أمراً مجعولاً وموضوعاً بالوضع الشرعي، لكنّ القرينة العامّة في باب المحصّلات الشرعيّة تصرف ظهور الكلام عن كون المقصود تحصيل الغرض على الإطلاق، بأن يكون إحراز سببه على عاتق العبد، وعندئذ يصبح السبب هو الذي يتنجّز بمقدار بيانه من قبل المولى،