المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

374

وعلى ضوء هذه الشروط يدّعي المحقّق النائيني (رحمه الله) وجوهاً ثلاثة لوجوب الاحتياط في دوران أمر المحصّل الشرعي بين الأقلّ والأكثر.

الوجه الأوّل: أنـّه إذا دار أمر محصّل الطهارة مثلاً بين الغسلة والغسلتين لا نرى مصبّاً للبراءة جامعاً للشروط الثلاثة، فإن أردنا إجراء البراءة عن وجوب تحصيل الطهارة فالشرط الأوّل مفقود؛ لعدم الشكّ في وجوب تحصيلها، وإن أردنا إجراء البراءة عن سببيّة الأكثر فأيضاً ليست هذه السببيّة مشكوكة فالشرط الأوّل مفقود؛ إذ لا إشكال في حصول الطهارة بغسلتين، وإنّما الإشكال في حصولها بغسلة واحدة، وإن أردنا إجراء البراءة عن سببيّة الأقلّ فهي وإن كانت مشكوكة، لكنّ الشرط الثالث مفقود فيها؛ لأنّ في رفعها ونفي صحّة الاكتفاء بغسلة واحدة تضييقاً على العباد، لا توسعة ومنّة عليهم.

ويرد عليه: أنـّه مع قطع النظر عن باقي الوجوه، والاكتفاء بهذا المقدار من البيان يمكن الإجابة عنه بدعوى إجراء البراءة عن سببيّة الأكثر وهي مشكوكة وليست معلومة، وإنّما المعلوم حصول الطهارة عند حصول الأكثر، وهذا غير سببيّة الأكثر بما هو أكثر، أو قل: إجراء البراءة عن جزئيّة الغسلة الثانية للسبب.

الوجه الثاني: أنّنا لو سلّمنا الشكّ في سببيّة الأكثر ـ كما نحن اخترناه ـ قلنا: إنّه لا تجري عنها البراءة، وكذا عن توابعها كجزئيّة الزائد للسبب، فإنّ هذه الاُمور أحكام وضعيّة غير مجعولة فقد انتفى فيها الشرط الثاني من الشروط الثلاثة.

ويرد عليه: أوّلاً: أنّ هذا لا ينسجم مع سير تفكيره هو (قدس سره)فالمفروض به أن يقول في المقام: بأنّ السببيّة وإن لم تكن مجعولة بالأصالة، لكنّها مجعولة بالتبع؛ لأنّها تنتزع عن جعل الشارع للمسبّب على تقدير السبب، وهو (قدس سره) قد أجرى البراءة عن جزئيّة ما فرض الشكّ في جزئيّته للصلاة، بتقريب أنّ الجزئيّة: وإن لم تكن بنفسها مجعولة قابلة للرفع والوضع، لكنّها منتزعة عن وجوب الأكثر وقابلة للوضع والرفع بلحاظ منشأ انتزاعها، وعليه نقول فيما نحن فيه: إنّه لا بأس من هذه الناحية بجريان البراءة عن سببيّة الأكثر، أو جزئيّة الزائد للسبب؛ إذ كل هذا قابل للرفع والوضع باعتبار منشأ الانتزاع، وهو جعل الطهارة على تقدير الغسل مرّتين.

وثانياً: أنّ الشرط الثاني وهو كون المرفوع مجعولاً شرعيّاً كي يقبل الرفع الشرعي غير صحيح، فإنّ الرفع في باب البراءة ليس رفعاً واقعيّاً في مقابل الوضع الواقعي كي لا يمكن تعلّقه إلّا بما يقبل الوضع الواقعي، وإنّما هو رفع ظاهري في