المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

371

الانحلال في عالم العهدة، وفي جانب الحرمة يكون ما يدخل في العهدة مردّداً بين ترك الأقلّ وترك شيء من الزائد. فهذا يشبه ما مضى من دوران الأمر بين التعيين والتخيير العقليين، وقد قلنا هناك: إنّ عنوان أحدهما المنتزع مباين لعنوان واحد معيّن منهما فيكون ما في العهدة مردّداً بين المتباينين فلا انحلال حقيقي هنا.

نعم، يأتي ما ذكرناه من الانحلال الحكمي، فتجري البراءة عن حرمة تصوير خصوص الرأس مثلاً، ولا تعارضه البراءة عن حرمة تصوير المجموع؛ لأنّ البراءة عن حرمة المجموع، أو قل: البراءة عن لزوم أحد التروك لا تعذّر من أتى بالمجموع لا عن عقاب واحد؛ لثبوته بالمخالفة القطعية، ولا عن عقاب ثان؛ لانتفائه في نفسه .

 

الأقلّ والأكثر في الشبهة الموضوعيّة

التنبيه الثالث: في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين من ناحية شبهة موضوعيّة.

قال المحقّق النائيني (رحمه الله): إنّ الشيخ الأعظم (قدس سره) لم يتصوّر دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشبهات الموضوعيّة(1) . وقال المحقّق العراقي (رحمه الله): إنّ هذا الكلام إساءة للأدب بالنسبة للشيخ الأعظم (قدس سره)(2).

وعلى أيّة حال، فنحن نعطف عنان الكلام هنا حول ما يقول المحقّق النائيني(رحمه الله) في المقام وهو: إنّ التكليف إن كان له موضوع ـ أي متعلّق المتعلّق ـ أمكن دوران الأمر فيه بين الأقلّ والأكثر بلحاظ الشبهة الموضوعيّة، وذلك كما لو علمنا بأنّ ثوباً ما ممّا لا يؤكل لحمه، وشككنا في ثوب آخر هل هو من الغنم أو من الهرّ مثلاً؟ ونعلم مانعيّة ما لا يؤكل لحمه عن تماميّة الصلاة، فقد دار أمر المانع بين الأقلّ والأكثر من ناحية الشبهة الموضوعيّة والاشتباه في أمر خارجي مع كون الحكم الكلّي الإلهي معلوماً، وأمـّا إن لم يكن له موضوع كما في وجوب القراءة فلا معنى لتردّد الأمر فيه بين الأقلّ والأكثر بنحو الشبهة الموضوعيّة، ولا يكون الشكّ إلّا من ناحية أصل


(1) راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 66، وأجود التقريرات: ج 2، ص 300.

(2) راجع نهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 409.