المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

366

بالحدث الأصغر ما لم يحدث منه ما يوجب التحوّل إلى الحدث الأكبر، فعندئذ يصبح موضوعاً لقوله تعالى: ﴿وإن كنتم جُنباً فاطّهّروا﴾(1)، فإذا خرج من المحدث بالحدث الأصغر بلل مشتبه بين البول والمني فقد شكّ في حدوث ما يوجب تحوّل الحدث إلى الحدث الأكبر، فمقتضى الأصل هنا كونه محدثاً بالحدث الأصغر، وقد عرفت أنّ ذلك موضوع للحكم بالطهارة وارتفاع جامع الحدث بالوضوء؛ ولهذا يصح منه الاكتفاء بالوضوء، وهذا بخلاف ما نحن فيه فإنّه لو سلّم ما مضى منه من ثبوت الفرد الصغير هنا بالأصل، فلا إشكال في أنـّه لم يرتّب في لسان دليل شرعي على رفع ذلك الحكم بارتفاع الجامع.

وذكر القائل بعدم لزوم الاحتياط: أنّنا نستصحب عدم وجوب التسعة بالحدّ التقييدي.

وأورد عليه السيّد الاُستاذ بأنّ هذا معارض باستصحاب عدم وجوب التسعة بالحدّ الإطلاقي؛ فلا يقاس الاستصحاب بالبراءة، فالبراءة عن القيد لا تعارض بالبراءة عن الإطلاق؛ لأنّ البراءة إنّما تجري عن الإلزاميّات، والإطلاق أمر ترخيصي يرجع إلى الترخيص في التطبيق على فروض وأفراد متعدّدة؛ فلا معنى لإجراء البراءة عنه، وأمـّا الاستصحاب فليس كذلك فبالإمكان إجراء استصحاب العدم في جانب الوجوب المطلق أيضاً(2).

أقول: لعلّ هذا التفصيل منه هنا بين البراءة والاستصحاب قرينة على أنّ ما مضى منه في ردّ من تمسّك بالاستصحاب لإثبات لزوم الاحتياط من إثبات الإطلاق بنفي التقييد بالأصل كان يقصد به التمسّك بأصل البراءة لا بالاستصحاب، أمـّا لو كان يقصد بالأصل فيما مضى ما يشمل الاستصحاب فإثباته للتعارض هنا يناقض ما مضى منه من فرض الأصل النافي للتقييد مثبتاً للإطلاق من دون إبداء معارض له.

والتحقيق: أنّ التمسّك بالاستصحاب لإثبات البراءة صحيح، والتمسّك به لإثبات الاحتياط غير صحيح:

أمـّا إثبات البراءة بالاستصحاب فلِما مضى من جريان استصحاب عدم


(1) سورة 5، المائدة، الآية 6.

(2) راجع الدراسات: ج 3، ص 281، والمصباح: ج 2، ص 445. والإشارة إلى الفرق بين الاستصحاب والبراءة في المقام موجود في الدراسات، وغير موجود في المصباح.