المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

332

 

2 ـ في خصوص العبادات

الوجه الثاني: ما كنّا نذكره في قديم الزمان وجهاً للمنع عن جريان البراءة في الأقلّ والأكثر الارتباطيين في العبادات، وكان ذلك في الحقيقة نقضاً على الأصحاب في مبنى فقهيٍّ لهم في مسألة ما إذا قصد المكلّف في عبادته خصوصيّةً في الحكم، أو في المتعلّق، فتبيّن خلافها، فهل تَصحّ عبادته أو لا؟ مثلاً لو أتى بعمل بقصد الاستحباب فتبيّن كونه واجباً أو بالعكس، أو صلّى في المسجد بقصد وجوب خصوص الصلاة في المسجد ثم تبيّن أنّ الوجوب متعلّق بطبيعة الصلاة لا بخصوص الصلاة في المسجد، فصاحب العروة(قدس سره) فصّل في ذلك بين ما إذا كان قصده بنحو الاشتباه في التطبيق، أو كان بنحو التقييد، بحيث لا داعي له إلى الامتثال على تقدير كون الواقع خلاف ما تخيّله، فعلى الأوّل يَصحّ عمله، وعلى الثاني يبطل للإخلال بقصد القربة؛ لأنّ ما قصد القربة بلحاظه لم يكن ثابتاً في الواقع، وما كان ثابتاً في الواقع لم يقصد القربة بلحاظه فقد قصد هو أمراً أو ملاكاً خاصّاً غير موجود، ولم يقصد ما هو الموجود من أمر أو ملاك. وأكثر المعلّقين على العروة وافقوا المصنّف على هذا التفصيل.

وعلى هذا المبنى نقول في المقام: ليس الأقلّ هنا إذا دار الأمر بين وجوب الصلاة مع سورة أو بلا سورة مثلاً محفوظاً دائماً ضمن الأكثر كي نجري البراءة عن الزائد المشكوك، بل النسبة بين الأقلّ والأكثر عموم من وجه، فمادّة الاجتماع هي: ما إذا أتى بالأكثر لا بنحو التقييد، فعندئذ قد حصل الأقلّ والأكثر معاً، ومادّة الافتراق من جانب الأقلّ: هي ما إذا أتى بالأقل بأن صلّى بلا سورة في هذا المثال، فقد حصل الأقلّ ولم يحصل الأكثر، ومادّة الافتراق من جانب الأكثر هي: ما إذا أتى بالأكثر بنحو التقييد بأن قصد في هذا المثال وجوب الصلاة مع سورة، بحيث إنّه لايريد الامتثال لو كان الواجب واقعاً هو الأقلّ، ولنفرض أنـّه قصد امتثال الأمر بالأكثر رجاءً لا بنحو الجزم والتشريع كي يبطل العمل من هذه الناحية، فإذا صلّى بهذا الشكل فقد حصل امتثال الأكثر، ولكنّه لم يحصل امتثال الأقلّ على تقدير وجوبه، فالأقلّ مقيّد بعدم تقييد القصد بالأكثر، بناءً على تصوير تعلّق الوجوب الشرعي بوجه من الوجوه بقصد القربة، فالأقلّ لم يعد بالدقّة أقلّ، بل كلّ منهما مشتمل على زيادة منفيّة بالبراءة، فتتعارض البراءتان.