المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

329

الواجب الذي يجب بالدخول فيه إتمامه ما لم يعص ِ بالإبطال، ويفوت بالدخول في بعض أجزائه محلّ تدارك ذاك الزائد المتروك، وذلك كما في الصلاة، فلو شكّ في جزئيّة السورة مثلاً فهو وإن كان من أوّل الأمر تجري في حقّه البراءة عن السورة، لكنّه إذا ترك السورة إلى أن دخل في الركن فلم يمكن تدراكها، وبنينا على ما هو المشهور من عدم جريان قاعدة (لا تعاد) في صورة الجهل، ولو مع معذّريّة جهله وعدم تقصيره ـ أو يفترض الكلام بدلاً عن مثل السورة فيما لا تجري فيه قاعدة (لا تعاد) كالطهارة مثلاً، أو يفترض الكلام في واجب آخر غير الصلاة فُرِضَ وجوب إتمامه على تقدير الشروع فيه ـ فعندئذ يحصل له العلم الإجمالي بأنّه إمّا يجب عليه إتمام هذا الفرد من الصلاة، وذلك على تقدير صحّته لعدم جزئيّة السورة، أو استئناف الصلاة بالإتيان بها مع سورة، وذلك على تقدير بطلان هذا الفرد لجزئيّة السورة، فيجب عليه الامتثال القطعي لهذا العلم الإجمالي، بإكمال هذه الصلاة ثم استئنافها مع السورة، فقد ابتلى بأزيد ممّا كان يبتلي به لو كان بانياً على الاحتياط من أوّل الأمر، إذ قد ابتلى بذاك الاحتياط زائداً إكمال ما بيده من الصلاة.

والمحقّق العراقي (رحمه الله) صوّر العلم الإجمالي بالشكل التالي: وهو أنـّه يحصل له بعد الركوع العلم الإجمالي التالي: إمّا قد انقلب وجوب طبيعي الصلاة إلى وجوب هذا الفرد بالخصوص، أو يجب عليه طبيعي الصلاة مع السورة، فكأنـّه (قدس سره)اعتقد أنّ وجوب إتمام الصلاة على تقدير الشروع فيها مرجعه إلى انقلاب وجوب الطبيعي إلى وجوب هذا الفرد(1).

ولكنّ الأولى هو التقريب الذي بيّناه نحن، فإنّ هذا الانقلاب وإن كان معقولاً بوجه من الوجوه: بأن يفرض أنّ الواجب من أوّل الأمر كان هو الصلاة التي لم يشرع قبلها في صلاة، وهذا العنوان بعد الشروع يصبح منحصراً بما تكون بيده من الصلاة، ولكن المستفاد فقهيّاً هو أنّ وجوب الإتمام تكليف زائد مستقلّ يتوجّه إلى المكلّف بالشروع في الصلاة غير مربوط بوجوب أصل طبيعي الصلاة، فالمكلّف إذا شرع في الصلاة فقد وجب عليه الإتمام، مضافاً إلى ما هو واجب عليه من الإتيان بطبيعي الصلاة، لا أنـّه انقلب تكليفه بالإتيان بطبيعي الصلاة إلى تكليفه بإتيان هذا الفرد الذي بيده.


(1) عبارته (رحمه الله) في المقالات لها ظهور في ذلك، وتقبل التوجيه، ولكن عبارة نهاية الأفكار ساكتة عن ذلك.