المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

325

المقصود هناك ـ أيضاً ـ كون مجموع الأفعال هو الغرض، لا كلّ جزء جزء منها كي ينافي الارتباطيّة. فمثلاً: قد يقال: إنّ الجرءة وحدها ليست كمالاً، والتروّي وحده ليس كمالاً، ومجموعهما كمال، فلنفترض تلك الأفعال في الفرضية الثالثة، أو تلك الآثار في هذه الفرضية من هذا القبيل.

فهذه فرضيات خمس أو أربع ـ بعد إسقاط الفرضية الاُولى لما كان فيها من نقطة ضعف ـ في صالح تردّد الغرض بين الأقلّ والأكثر.

ومع فرض تردّده بين الأقلّ والأكثر تجري البراءة العقليّة والنقليّة: أمـّا العقليّة فظاهر، فإنّ عقاب العبد تجاه الجزء الزائد من الغرض غير المبيّن عقاب بلا بيان، وهو قبيح عندهم.

وأمـّا النقليّة فيمكن أن يستشكل فيها في مثل «رفع ما لا يعلمون» باعتبار أنّ التعبير (بالرفع) يناسب أن يكون النظر إلى ما هو فعل المولى من الإلزام والتحريك، ونحو ذلك من العناوين التي ينتزعها العرف من أمر المولى، لا إلى الغرض فإنّ الرفع يناسب الفعل الاختياري للمولى الذي يكون بيده وباختياره رفعه ووضعه.

وهذا الاستشكال غير صحيح، إلّا أنّ الجواب عنه يرجع إلى ما سيأتي ـ إن شاء اللّه ـ من الوجه الثاني من وجهي الجواب عن شبهة الشكّ في المحصّل في المقام، في حين أنّ المقصود ـ الآن ـ تتميم المطلب بقطع النظر عن ذاك الوجه، فلنقتصر في المقام على القول بأنّ هذا الاستشكال لو تمّ في مثل حديث الرفع لم يضرّنا شيئاً؛ إذ تكفينا في المقام أدلّة البراءة التي لا تكون بلسان الرفع، بل تكون بمثل لسان عدم العقاب، من قبيل قوله تعالى:﴿وما كُنّا معذّبين حتّى نبعث رسولاً﴾(1) لو تَمّت دلالتها على البراءة، وقوله تعالى: ﴿وما كان اللّه ليضلّ قوماً بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم ما يتّقون﴾(2) فمثل هذه الأدلّة حالها حال البراءة العقليّة، وتنفي العقاب من دون بيان، ومن المعلوم أنّ العقاب بلحاظ الجزء الزائد من الغرض غير المبيّن عقاب بلا بيان.

ثمّ إنّ هناك إشكالاً آخر: وهو أنّنا لو كنّا نعلم أنّ الغرض أمر مركّب مردّد بين الأقلّ والأكثر سنخ ما هو حال أجزاء المتعلّق لصحّ إجراء البراءة بلحاظ الجزء الزائد


(1) سورة 17، الإسراء، الآية 15.

(2) سورة 9، التوبة، الآية 115.