المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

319

عليه تكليف آخر غير التكليف السابق، قد يكون وقد لا يكون، وهذا غير مسألة سقوط التكليف السابق نعم. الشيء الذي تحقّق بالامتثال: هو أنّ المصلحة قد استوفيت، والمطلوب قد تحقّق، والتكليف قد استنفد مقتضاه من التحريك والفاعليّة، فانتهت فاعليّته، وهذا غير سقوط المطلوبيّة وعدم المصلحة، ويزداد وضوح ذلك بقياس الإرادة التشريعيّة بالإرادة التكوينيّة، فالعطشان المريد للماء إذا شرب الماء وزال عطشه قد استوفى مراده ومصلحته، وليس ما فعله من شرب الماء قد خرج عن المطلوبيّة والاتّصاف بالمصلحة. نعم، بعد صدور ما أراده من الشرب قد سقطت محبوبيّة الشرب ومطلوبيّته عن الفاعليّة والمحرّكيّة؛ لفرض حصول محبوبه، وكذلك الحال في الإرادة التشريعيّة، فالتكليف بالحجّ مثلاً لايسقط بنفسه بإتيان العبد بالحجّ، وإنّما تسقط بذلك فاعليّته ومحركيّته. إذن فسقوط التكليف بمعناه الحقيقي لا يحصل حتّى بالإتيان بالأكثر، فلا معنى لفرض إيجاب الاحتياط بالإتيان بالأكثر لتحصيل الجزم بسقوط التكليف.

واُخرى يفترض أنّ المقصود بسقوط التكليف هو سقوط فاعليّته ومحرّكيّته فيقال: إنّ وجوب الأقلّ إن كان استقلاليّاً فقد سقطت فاعليّته بالإتيان بالأقلّ، وأمـّا إن كان ضمنيّاً فالإتيان بالأقلّ ليس مسقطاً لفاعليته، وهذا هو معنى الشكّ في الفراغ.

ويرد على هذا: أنّ فاعليّة التكليف باتجاه الأقلّ حتّى إذا كان ضمنيّاً قد سقطت بالإتيان؛ إذ بعد الإتيان بالأقلّ لا يعقل تحريك وجوبه الضمني نحو الإتيان به، أو نحو سدّ باب العدم من قِبَل الأقلّ؛ لأنّ المفروض حصول ذلك. نعم، تحتمل فاعليّة التكليف حتّى بعد الإتيان بالأقلّ بلحاظ الزائد، لكن احتمال ذلك يكون ناشئاً من احتمال انبساط التكليف على الجزء الزائد، فتجري البراءة.

وثانياً: أنّنا لو سلّمنا أنّ سقوط التكليف الضمني بالمعنى الحقيقي للكلمة يحصل بامتثال ما هو في ضمنه من التكليف الاستقلالي، ولا يحصل بالاقتصار على الإتيان بمتعلّقه، وهو الأقلّ، قلنا ـ كما أفاده السيّد الاُستاذ(1) وغيره من المحقّقين ـ: إنّ الواجب عقلاً على المكلّف ليس هو عنوان إسقاط التكليف عند تماميّة شرائط تنجيزه، وإنّما الواجب عليه عقلاً هو الإتيان بمتعلّق التكليف المنجّز، ففي مورد يفترض سقوط التكليف ملازماً للإتيان بمتعلّق التكليف يحصل لا محالة ذلك


(1) راجع الدراسات: ج 3، ص 273، ومصباح الاُصول: ج 2، ص 432.