المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

312

وتاركهما يستحق عقابين، مع أنّ كلّ واحد منهما مشروط بالآخر، ولم يخلق هذا الاشتراط توحّداً فيما بينهما.

فالتقييدات المتبادلة لا توحّد الكثير، بل نفس التقييد يستدعي التكثّر والتعدّد، حتّى يكون بعضها قيداً لبعض.

الأمر الثاني: أنـّه لا إشكال في أنّ المكلّف لو أتى ببعض أجزاء الواجب الارتباطي دون البعض لم يكن ما أتى به متّصفاً بالمطلوبيّة والوجوب، وإلّا لكان واجباً مستقلاًّ، وعليه نقول: إنّ كلّ جزء من الأجزاء هل هو مقيّد بالباقي، أو مطلق من ناحية الباقي؛ إذ يستحيل الإهمال؟ فإن فرض الإطلاق لزم اتّصاف الجزء بالمطلوبيّة في كلتا حالتيه، أي: حالة انضمامه إلى الباقي وحالة انفراده عنه، وهذا خلف ما عرفت. وإن فرض التقييد فهو المطلوب.

ويرد عليه: أنّ هذا البرهان إنّما ينسجم مع القول بكون الإطلاق عبارة عن لحاظ السريان وعدم القيد، فعندئذ يكون إطلاق الركوع مثلاً عبارة عن لحاظ سريان وجوبه للحصّة المنضمّة إلى الباقي، وللحصّة المنفردة، وهذا خلف ما فرضناه من أنّ المكلّف لو اقتصر على بعض الأجزاء لما كان ذاك البعض مطلوباً، وإلّا لكان واجباً مستقلاًّ.

لكن الصحيح في باب الإطلاق: أنـّه عبارة عن مجرّد عدم لحاظ القيد، وعليه فبالإمكان أن نلتزم هنا بالإطلاق، ونقول مع ذلك: إنّ كلّ واحد من الأجزاء غير متّصف بالمطلوبيّة والوجوب في حالة انفراده عن الباقي، لا لعدم الإطلاق في الموضوع، بل لعدم قابليّة المحمول، وهو الوجوب الضمني لهذا الانبساط؛ لكونه جزءاً من وجوب وحداني ثابت على المجموع، ومشدوداً ظهره بسائر الوجوبات الضمنيّة.

فتحصّل: أنّ كون الوجوب ارتباطيّاً لا يقتضي بوجه من الوجوه تقيّد الأجزاء بعضها ببعض. نعم، نحن لا ننكر إمكان تقيّد بعضها ببعض؛ لعدم استلزام ذلك للدور كما عرفت، لكن هذا الأمر الممكن ثبوتاً يتبع دلالة دليل ذلك الواجب عليه إثباتاً، فإن دلّ عليه دليله، فهو أمر ثابت لذلك الواجب الارتباطي صدفة، من دون أن يكون دخيلاً في صميم ارتباطيّة الوجوب.

التصوير الثاني: أنّ أجزاء الواجب الارتباطي متوحّدة فيما بينها بوحدة متأخّرة رتبة عن عروض الوجوب، وليست فيما بينها وحدة معروضة للوجوب،