المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

311

أنّ الوجوب الارتباطي يتعلّق بالأجزاء، مع فرض أنّ كلّ جزء جزءٌ في نفسه، وشرط لغيره من الأجزاء، وأنّ كلّ واحد منها مقيّداً بالباقي واجب.

ولا يرد على هذا استلزامه للدور؛ لكون الشرط مقدّماً رتبة على المشروط، فيلزم تقدّم كلّ من الجزءين على الآخر.

فإنّ الجواب عن ذلك: هو أنّ الشرط له معنيان:

أحدهما: ما يتوقّف عليه الشيء، كالصعود على الدرج بالنسبة للكون على السطح، والشرطيّة بهذا المعنى هي التي لا يمكن أن تكون من الطرفين للزوم الدور.

وثانيهما: ما قيّد به الشيء وحصّص به، والشرطيّة بهذا المعنى من الطرفين لا تستلزم الدور؛ إذ ليست ذات كلّ من الركوع والسجود مثلاً متوقّفة على الآخر، وإنّما تكون نسبة كلّ منهما للآخر، ومقارنته له متوقّفة عليه، فيختلف المتوقّف على المتوقّف عليه.

إلّا أنّ الكلام يقع فيما هو الدليل على دعوى أخذ كلّ واحد من الأجزاء مقيّداً بالباقي، والدليل على ذلك يكون أحد أمرين:

الأمر الأوّل: أنّ الوجوب الارتباطي بما أنـّه وجوب واحد يستحيل تعلّقه بالمتكثّر بما هو متكثّر، فلا بُدَّ من فرض وحدة في متعلّقه، وتوحيد هذه الأجزاء يكون بتقييد كلّ منها بالباقي، فهذا التقييد المتقابل يكون قضاءً لحقّ وحدة الوجوب.

والواقع: أنّ استحالة تعلّق الوجوب الواحد بالمتكثّر بما هو متكثّر، وإن كان أصلاً بديهياً عندنا ـ رغم مخالفة المحقّق العراقي (رحمه الله)فيه كما سيأتي إن شاء اللّه ـ لكنّ هذا لا يفيد شيئاً في المقام؛ لأنّ هذه التقييدات المتبادلة لا توحّد تلك الاُمور المتكثّرة، غاية الأمر أنـّه بغضّ النظر عن التقييد تكون تلك الاُمور ذوات أجزاء متكثّرة، وبالنظر الى التقييد تكون مقيّدات متكثرة، وهذا لا يقضي حقّ وحدة الوجوب، والشاهد على ذلك أنـّه يمكن فرض هذه التقييدات المتبادلة بين واجبات مستقلّة، فمثلاً: يشترط في صحّة صلاة العصر إيقاعها بعد صلاة الظهر، ويمكن فرض اشتراط صحّة صلاة الظهر ـ أيضاً ـ بإيقاع صلاة العصر بعدها، من دون أن يلزم من ذلك كونهما واجباً واحداً ومتعلّقاً لوجوب واحد.

والخلاصة: أنـّه يمكن فرض غرضين مستقلّين في أمرين مع افتراض أنّ كلّ واحد من الغرضين لا يحصل إلّا بحصّة من أحد الأمرين مقارنة للآخر، وعندئذ يتحقّق لا محالة وجوبان مستقلاّن لهما امتثالان وعصيانان، وفاعلهما يثاب بثوابين،