المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

30

ويوجد في كلماتهم (قدّس الله أسرارهم) ما يدلّ على التزامهم بحرفيّة القاعدة، من قبيل الاستدلال على سراية التنجّز إلى الواقع غير المبيّن بغير دعوى ضيق في القاعدة ـ كما سوف يأتي إن شاء الله ـ، والتزام المحقّق النائينيّ (قدس سره) لعدم اقتضاء العلم الإجماليّ لتنجّز الموافقة القطعيّة، وهو إنـّما يوجب الموافقة القطعيّة من باب تعارض الاُصول حتى البراءة العقليّة في الأطراف تساقطها وبقاء الاحتمال بلا مؤمّن، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ أنـّه لا وجه للتعارض والتساقط في المقام بلحاظ البراءة العقليّة، بل بعد عدم الاقتضاء لا بدّ من الالتزام بجواز المخالفة الاحتماليّة بحكم البراءة العقليّة.

ثمّ إنّ الوجه في ما ذكرناه من عدم اقتضاء العلم الإجماليّ لتنجّز الموافقة القطعيّة إنـّما هو ما عرفته مفصّلاً، من أنّ المقدار المنكشف هو الجامع لا الحدّ الشخصيّ، فهو المقدار المنجّز، وأنـّه يكفي في موافقته القطعيّة الاتيان بفرد واحد، لا ما أفاده المحقّق الإصفهاني (قدس سره) ثم دفعه.

فقد أفاد في المقام(1) : أنّ المقدار المنكشف هو الجامع، وهذا هو الجزء الأوّل من برهاننا على المدّعى، وأنـّه تكفي الموافقة الاحتماليّة للجامع بالإتيان بفرد واحد، ولا تحرم مخالفته الاحتماليّة بترك الآخر؛ إذ المخالفة الاحتماليّة لا قبح فيها، ولا يستحقّ العبد العقاب عليها، وإلاّ لزم أن يعاقب من ارتكب كلا الطرفين بعقابين.

ثمّ أجاب عن ذلك: بأنّ العقل يرى لزوم الامتثال القطعيّ للحكم المعلوم(2).

وكأنّ مقصوده (قدس سره) بذلك: هو أنّ كلاّ من المخالفتين الاحتماليّتين ليست حراماً


(1) راجع نهاية الدراية: ج 2، ص 32 ـ 33، وص 243 ـ 244.

(2) وقال (رحمه الله): إنّ هذا بناءً على أنّ استحقاق العقاب يكون بحكم العقل. أمـّا بناءً على كونه بحكم الشرع وجعله، فلازمه استحقاق العقاب على مخالفة التكليف الواقعيّ بعد قيام الحجّة عليه، وعليه ففي كلّ طرف من الأطراف نحتمل العقاب لاحتمال كون التكليف فيه، فلا بدّ من اجتنابه.

أقول: سواء فرض استحقاق العقاب بحكم العقل، أو بحكم الشرع، فبعد فرض الإيمان بقاعدة (قبح العقاب بلا بيان) وفرض عدم تماميّة البيان إلاّ بقدر الجامع، يتّجه القول بجواز الاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة للواقع؛ لأنـّها موافقة قطعيّة للجامع، وما عدا ذلك داخل تحت الأمان المستفاد من القاعدة.