المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

259

على كون الحرمة تكليفيّة أو وضعيّة، ولكن فرّعوها على مسألة فقهيّة، وهي أنّ نجاسة الملاقي هل هي بالسببيّة أو بالانبساط؟ فذهب المحقّق النائينيّ (رحمه الله)(1) إلى أنـّه إن قلنا بالسببيّة ـ بمعنى أنّ نجاسة الملاقي فرد آخر للنجاسة مستقلّ تحدث بسبب الملاقاة للنجس ـ فهذه النجاسة لا تتنجّز بالعلم الإجمالي الأوّل، لأنـّه لم يتعلّق به، وإنـّما تعلّق بالنجاسة الاُولى المردّدة بين الملاقى وطرفه. وإن قلنا بالانبساط ـ أي أنّها عين النجاسة السابقة ـ توسعت وانبسطت بعد ما كانت منكمشة، وواقفة على الملاقى، وإذا أردنا تقريب ذلك بالتشبيه بالاُمور التكوينية قلنا: إنّ هذا نظير التيّار الكهربائي الموجود في جسم على أساس اتّصاله بجسم آخر حامل لهذا التيار، حيث يُرى عرفاً أنّ نفس ذاك التيّار انبسط على هذا الجسم وتوسّع. فهذه النجاسة عين ما كانت طرفاً للعلم الإجمالي، فهي مُنجّزة به، وبما أنـّه (رحمه الله) يبني على السببيّة فلهذا يختار في المقام عدم التنجيز.

أقول: إنـّنا لو بنينا على عدم التنجيز بناءً على السببيّة، فلابدّ أنْ نبني على ذلك أيضاً بناء على الانبساط بالمعنى الذي ذكرناه. وتوضيح ذلك بعد غضّ النظر عن تحليل أصل فكرة الانبساط في النجاسة وأنّها هل تتعقّل ثبوتاً أو لا:

أوّلاً: أنّ المعلوم بالإجمال هو أصل النجاسة لا حدّها وسعتها، وحدّ النجاسة


بالإجمال والترخيص الشامل لتمام الأطراف، ولو فرضنا: أنّ الغرض الإلزامي لم يدركه عامّة الناس، وأدركه شخص بذكائه، أو لم يدرك عامّة الناس أنّ هذه الاُصول تودّي إلى مخالفته القطعيّة، وأدرك ذلك شخص بذكائه، فهذا كاف في تعارض الاُصول وتساقطها لدى هذا الشخص الذكيّ، فهو يأخذ من العرف كبرى عدم جريان الاُصول النافية للتكليف المعلوم بالإجمال، ويطبّقها على ما يعلمه، وبكلمة اُخرى: أنّ العرف يقول بنحو القضية الشرطية: متى ما أوجبت الاُصول الترخيص في المخالفة القطعيّة فهي لا تجري، وقد أدركنا الشرط بالدقّة العقليّة، فيثبت الجزاء، وذلك لأنّ المرتكز عند العرف إنـّما هو التناقض بين ذات الترخيص الشامل والتكليف المعلوم بالإجمال، لا بين ما يدركه العرف منهما، وإن كان لو لم يدركها العرف لم يعرف وجود التناقض بالفعل.

إذن فالعمدة في الإشكال على اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) ما وضّحناه في التعليقات السابقة من أنّ التفصيل بين الأحكام الوضعيّة والتكليفيّة ليس في محلّه حتى بالدقّة العقليّة؛ لأنـّه: أوّلاً: أنّ الحكم التكليفي في المحرمات فعليّ قبل فعليّة الحرام. و ثانياً: أنّ تلك الفعليّة في كلا الموردين لا توجب منجّزية العلم الأوّل، لأنّها غير ثابتة بالنسبة لواقع الملاقي.

(1) راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 25 ـ 26، وأجود التقريرات: ج 2، ص 257 ـ 259.