المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

258

بالنجاسة، وقد عرفت التفصيل في ذلك بين الحرمة التكليفيّة والوضعيّة بالبيان الذي مضى.

ويظهر أثر تنجيز الحرمة الوضعيّة بالعلم الأوّل مع أنـّنا نقول بمنجّزيّة العلم الثاني على أيّ حال كما ستعرف إن شاء الله، فيما إذا لاقى الثوب أو الماء أحد الطرفين بعد خروج الطرف الآخر عن محلّ الابتلاء بانعدامه أو تطهيره أو غير ذلك كما مرّ.

إلّا أنّ الأصحاب (قدّس الله أسرارهم) لم يفرّقوا في المقام بين الحرمة التكليفيّة والوضعيّة(1) ولم يفرّعوا منجّزيّة العلم الإجمالي بالنجاسة لحرمة الملاقي وعدمها


(1) قد يقال: إنّ التفصيل بين الحرمة التكليفيّة والحرمة الوضعيّة ـ بالتقريب الذي عرفت ـ إنْ كان له مجال بحسب التدقيق العقلي، فلا مجال له بالنظر العرفي، فإنّ الالتفات إلى أنّ الحرمة الوضعيّة أمر منتزع من تحديد دائرة الواجب بالوجوب التكليفي الفعلي إنـّما هو التفات عقليّ دقّيّ، وليس التفاتاً عرفيّاً، ويشهد لذلك عدم خطور هذا التفصيل في ذهن أحد من العلماء قبل اُستاذنا الشهيد بحدود ما وصلتنا من الأبحاث.

إلّا أنّ هذا الكلام لو تَمَّ فلا مجال له بالنسبة للبراءة العقليّة، فإنـّها أمر عقلي، ولا بأس بالرجوع إلى تدقيق عقلي في معرفة مورد جريانها.

وأمّا بالنسبة للاُصول الشرعية، فإن كان المقصود بهذا الإشكال دعوى أنّ شمول إطلاق دليل الأصل لنفي الحرمة الوضعيّة للملاقي قبل الملاقاة غير مفهوم عرفاً، قلنا ـ بعد تسليم ذلك ـ: إنّ شموله له على تقدير الملاقاة زائداً الأصل النافي في الملاقي الفعلي للطرف الآخر ينتج الترخيص الفعلي للتكليف المعلوم بالإجمال، بالبيان الذي مَضَى من اُستاذنا (رحمه الله) من توضيح فعليّة الحرمة الوضعيّة على أساس مُجرّد النجاسة على تقدير الملاقاة.

وإنْ كان المقصود بذلك غفلة العرف عن العلم الإجمالي بالتكليف الفعلي، أو غفلته عن كون مجموع هذا الأصل التقديري زائداً ذاك الأصل الفعلي مستلزماً بالفعل نفي الإلزام المعلوم بالإجمال. قلنا ـ بعد تسليم ذلك ـ: إنّ غفلة العرف عن فعلية العلم الإجمالي بالتكليف، أو فعليّة نفي الأصلين للإلزام المعلوم بالإجمال لا تنفي تساقط الأصلين، فإنـّنا إنْ قلنا بأنّ سقوط الأصلين النافيين للإلزام المعلوم بالإجمال أمرٌ عقلي، كما عليه المحقق العراقي (رحمه الله)، فمن المعلوم أنّ عدم وضوح ذلك لدى العرف لا يضرّ به. وإن قلنا بأنـّه من الارتكازيات العرفية كما هو المختار، فالكبرى هي المرتكزة عرفاً، والصغرى قد تدرك بالدقّة العقليّة، أي: أنّ العرف يَرى أنـّه متى ما تَمَّ العلم الإجمالي بالتكليف الفعلي الذي تكون الاُصول نافية له فالاُصول لا تجري؛ لارتكازيّة عدم إمكان الترخيص في المخالفة القطعيّة. أو قل: ارتكازية التناقض بين الغرض الإلزامي المعلوم