المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

255

فرض الطرف الآخر من قبيل الدرهم؛ لما عرفت من أنـّه يوجد بالفعل أثر لنجاسة ذاك الدرهم، وهو حرمة الوضوء بملاقيه أو الصلاة فيه.

ومن هنا يظهر أيضاً تعارض استصحابي الكرّيّة في مثال العلم بنقصان أحدهما عن الكرّيّة وتساقطهما.

والثاني: ما يكون مجراه هو الملاقي مباشرة، وهو أصالة طهارة الملاقي، وهذا الأصل أيضاً سقط بمجرّد العلم الأوّل قبل الملاقاة بالمعارضة، لأصالة طهارة ملاقي الآخر(1)؛ لما عرفت من فعليّة الحرمة الوضعيّة لأحد المتلاقيين قبل الملاقاة.

ومن هنا ظهر أنـّه يحرم الوضوء بالملاقي والصلاة فيه، حتّى إذا كانت الملاقاة بعد خروج الطرف الآخر عن محلّ الابتلاء، فلم يتشكّل العلم الإجمالي الثاني الذي سوف نوضّح إن شاء الله تنجيزه، وذلك لأنّ هذا الحكم تنجّز بمجرّد حصول العلم الإجمالي الأوّل.

نعم، إذا فرض الملاقي ماءً مضافاً، فلم يكن له حكم وضعي، فتكلّمنا في حكم شربه أو فرض ماءً مطلقاً، لكنّنا نظرنا إلى حكم شربه لا حكم التوضّوء به، لم تتنجز حرمة شربه بمجرّد العلم الإجمالي الأوّل بالنجاسة، فلو لاقى أحد الإناءين بعد خروج الآخر عن محلّ الابتلاء جاز شربه، لعدم تنجّز حرمة شربه، لا بالعلم الأوّل؛ لأنـّه لم يكن علماً بتمام موضوع الحرمة، ولا بالعلم الثاني؛ لأنـّه علم إجمالي مردّد بين الداخل فى محلّ الابتلاء والخارج عنه بتلف ونحوه قبل العلم(2)، فتجري


(1) إلّا إذا كانت الملاقاة غير ممكنة، وغير مقدورٌ للمكلف إيجادها، أو كان إيجادها خارجاً عن محلّ الابتلاء، وهي لا توجد بطبعها، أو كان ما يترقّب أنْ يلاقيه خارجاً عن محلّ الابتلاء، ففي هذه الفروض لا يكون للعلم الإجمالي أثر، وذلك لخروج الحكم الشرعي في أحد طرفيه عن محلّ الابتلاء.

هذا. والتحقيق: ما وضّحناه في التعليق السابق من أنّ الحرمة الوضعيّة لواقع الملاقي ليست فعلية قبل الملاقاة، والحرمة الوضعيّة لعنوان الملاقي غير ثابتة أصلاً، لأنّ الحرام إنـّما هو الصلاة في النجس، لا الصلاة في ملاقي النجس، ولو كان ملاقي النجس غير نجس ـ فرضاً ـ لما حرمت الصلاة فيه، والحرمة الوضعيّة لعنوان الصلاة في النجس ثابتة، لكن هذا العنوان لا يفنى في عنوان الصلاة في ملاقي النجس.

(2) ولا بالعلم الإجمالي بالحرمة التكليفيّة للملاقي الفعلي، أو الحرمة الوضعيّة