المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

247

ونقول هنا: إنّ للمحقّق العراقي (قدس سره) محاولة فنّيّة لتصحيح هذا الاستصحاب(1)، وذلك أنـّه (رحمه الله) لا يقصد بهذا الاستصحاب مجرّد إثبات الجامع، كي يرد عيله أنّ الجامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبل التنجيز لا يقبل بحدّه التنجيز، بل يقصد إثبات الوجوب في خصوص الطرف الذي لم يسقط بمثل الامتثال، أو العصيان، أو غيرهما، فلا يرد عليه هذا الإشكال، كما أنـّه ليس مقصوده إثبات هذا الفرد باستصحاب الجامع من باب إثبات أحد المتلازمين باستصحاب الآخر؛ لتلازم الفرد مع الجامع في الواقع، بعد القطع بعدم الفرد الآخر، كي يرد عليه إشكال المثبتيّة.

ونوضّح ذلك بعد استذكار شيء من بحث الاستصحاب، وهو: أنّ الشيء الذي يلازم واقع المستصحب لا يثبت بالاستصحاب، لعدم حُجّية مثبتات الاُصول، وأمـّا إذا كان الشيء ملازماً للثبوت الظاهري للمستصحب، فهو يثبت بالاستصحاب؛ إذ هو في الحقيقة من لوازم مفاد دليل الاستصحاب الذي هو أمارة، ولوازم الأمارة حُجّة.

إذا عرفت ذلك قلنا: إنّ ثبوت الفرد هنا ملازم للثبوت الظاهري للجامع، فإنّ الحكم الظاهري بالصلاة مثلاً بعد أنْ صَلّى الجمعة، ثم علم بوجوب الظهر أو الجمعة، إمـّا يتمثّل في الحكم الظاهري بالجمعة، أو في الحكم الظاهري بالظهر، ويستحيل أنْ يوجد الجامع بين الحكم بالظهر والحكم بالجمعة لا في ضمن وجود الفرد.

وهذا الكلام يشبه ما نقوله في بحث الماء النجس المتمّم كراً بطاهر، من أنّ استصحاب حالة كل منهما يعارض استصحاب الآخر؛ لعدم تعقّل العرف لتحمّل ماء واحد حكمين، سواء كانا واقعيّين أو ظاهريّين، فتثبت باستصحاب نجاسة نصفه نجاسة الباقي، وباستصحاب طهارة نصفه طهارة الباقي، فيتعارضان، فلو انتهينا إلى أصالة الطهارة في النصف الذي كان طاهراً، ثبتت طهارة الجميع، وإنْ قلنا بعدم جريانها في النصف الآخر، بناءً على اختصاص أصالة الطهارة بما لا يكون مسبوقاً بالنجاسة.

ولكنّ التحقيق: أنّ ما نحن فيه ليس من قبيل مثال الماء النجس المتمّم كراً بطاهر، ولا يثبت بالاستصحاب وجود الفرد غير المأتّي به؛ وذلك لما يرد عليه: ـ


(1) راجع نهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 368 ـ 369.