المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

246

 

 

 

استصحاب التكليف بعد الموافقة الاحتماليّة:

 

التنبيه الحادي عشر: قد عرفت حتّى الآن قاعدة تنجيز العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعيّة، ويمكن استبدال هذه القاعدة بأمر آخر يؤدّي دورها، وهو استصحاب بقاء التكليف بعد الموافقة الاحتمالية، فيثبت لزوم الموافقة القطعيّة، حتى إذا أنكرنا قاعدة تنجيز العلم الإجمالي للموافقة القطعيّة. وهذا لو تمّ يؤثّر في نطاق أوسع من نطاق تأثير تلك القاعدة؛ لأنّك عرفت أنّ العلم الإجمالي إذا وجد بعد سقوط التكليف في بعض الأطراف بامتثال اتّفاقي أو عصيان اتّفاقي أو نحو ذلك، لم تتمّ قاعدة منجّزيّته، ولكنّ الاستصحاب لو تَمَّ يجري في المقام أيضاً(1)، وقد مضى ذكر هذا الاستصحاب في بعض جزئيّاته، وهو في فرض طروّ الاضطرار إلى أحد الطرفين بعينه بعد التكليف وقبل العلم، حيث مرّت هناك شبهة التنجيز بهذا الاستصحاب، وقلنا هناك: إنـّه إن اُريد استصحاب واقع الحكم المعلوم بالإجمال، فهو استصحاب للفرد المردّد بين ما يقطع بزواله وما يقطع بعدم زواله، وهو غير جار، وإن اُريد استصحاب الجامع، فهو جامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبل التنجيز، فيثبت الجامع بين حكم المولى القابل للتنجيز وطيران الطير في الهواء مثلاً، ولا يمكن تنجيز مثل هذا الجامع.


(1) ومن ناحية اُخرى يكون تأثير هذا الاستصحاب أضيق نطاقاً من تأثير منجّزيّة العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعيّة؛ لأنـّه لا يحرّم مخالفة بعض الأطراف في حين بقاء الطرف الآخر في محلّ الابتلاء، فمثلاً لو علمنا بحرمة أحد الإناءين، وكلاهما كانا داخلين في محلّ الابتلاء، وقلنا بعدم تنجيز العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعيّة، حلّ شرب أحدهما، ولا استصحاب في المقام، ولو كان، فلم يكن أحسن حالاً من العلم نفسه. نعم، يفيد هذا الاستصحاب لو تَمَّ بعد خروج أحد الطرفين عن المورديّة بعصيان، أو زوال موضوع، أو بالامتثال، وهذا الثالث ـ وهو سقوط أحد الطرفين بالامتثال ـ يغلب وقوعه في الشبهات الوجوبية، كما لو علم إجمالاً بوجوب الظهر أو الجمعة، فصلّى الجمعة، وكأنـّه لهذا نرى أنّ المحقق العراقي (رحمه الله) إنـّما ذكر شبهة الاستصحاب في الشبهات الوجوبية، ولم يذكرها في الشبهات التحريمية.