المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

244

الابتلاء شرعاً، ويبقى الطرف الآخر مؤمّناً عليه بأصالةِ الطهارة(1) .

وهذا الكلام غير صحيح كما نبّه عليه المحقّق العراقي (رحمه الله)(2)؛ إذ لو فُرض التكليفان من سنخين، كما في هذا المثال فحرمة شرب النّجس تكليف مستقلّ، وضيق جديد، غير حرمة شرب المغصوب، وهو أمر مفهوم للعرف، وموجب لتعدّد العقاب لو ارتكبه، وهذا المقدار كاف في ارتفاع القبح والاستحالة، وقد علم هذا التكليف إجمالاً في أحد الطرفين، ولا مانع من منجّزية هذا العلم الإجمالي، ولا مانع من إجراء الأصل في نفسه عن حرمة اُخرى للشيء غير حرمته المعلومة، فيعارض الأصل النافي للحرمة في الطرف الآخر. ولو فرض التكليفان من سنخ واحد كما لو علم إجمالاً بنجاسة أحدهما، وعلم تفصيلاً بنجاسة أحدهما المعيّن، اتّجه جواز ارتكاب الطرف الآخر بملاك ما مضى من الانحلال حقيقة أو حكماً، وليس في المقام شيء زائد باعتبار الخروج عن محلّ الابتلاء شرعاً.

وما ذكرناه على مبنى القوم واضح، وأمـّا على مبنانا ـ من أنّ الوجه في انحلال العلم الإجمالي بخروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء هو انصراف دليل الأصل عن ذاك الطرف بالارتكاز، وجريانه في الطرف الآخر بلا معارض ـ فيمكن أنْ يقال في المقام: إنّ دليل الأصل منصرفٌ عن الإناء المغصوب بالارتكاز، فإنـّه وإن كان بحسب الدقّة يوجد هنا أيضاً تزاحم بين ملاك الترخيص وملاك الإلزام؛ لأنـّه إذا كان الإناء حراماً بحرمة اُخرى يوجد نحو اشتداد في الضيق، لكنّ العرف لا يقبل مثل هذا التزاحم، ويقول: إنّ المفروض شرعاً هو أن لا يشرب هذا الإناء على أيّ حال لمغصوبيّته، وأيّ معنى للتزاحم بين ملاك الإلزام وملاك أنّ العبد لو أراد أنْ يعصي حرمة الغصب، فليكن على الأقلّ مستريحاً من حرمة شرب النجس، ومرخّصاً فيه من هذه الناحية .

إلّا أنّ الصحيح أنّ العرف لا يرى دليل الأصل منصرفاً عن حرمة زائدة محتملة، فلو علم بغصبيّة شيء، وشكّ في نجاسته، تمسّك العرف في رفع حرمة شرب النجس بدليل الأصل، ولا يوجد ارتكاز على خلافه، وإذا شربه لا يعاقب إلّا بعقاب واحد وإن فرض وجود نكتة الارتكاز في المقام، والسّر في ذلك أنّ قاعدة


(1) راجع أجود التقريرات: ج 2، ص 255، وفوائد الاُصول: ج 4، ص 22.

(2) راجع نهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 348.