المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

236

المختارة في سائر موارد شبهات المخصّص، فما هي النكتة الثابتة فيما نحن فيه التي جعلته يشذّ عن سائر الموارد، وأوجبت عدم التمسّك بالإطلاق فيه مطلقاً؟ وقد ذُكِرَ لذلك تقريبان: ـ

التقريب الأوّل: ما في كلام المحقّق الخراساني(رحمه الله) في الكفاية، وهذا التقريب ـ إذا أخذنا بعبارة الكفاية على بساطتها وإجمالها ـ يكون عبارة عن أنـّه لو تمّ ثبوتاً إمكان إطلاق الحكم، وشككنا في التقييد والإطلاق، بنينا على الإطلاق في عالم الإثبات، أمـّا مع الشكّ في أصل إمكان كون الحكم مطلقاً ثبوتاً، فلا معنى للتمسّك بالإطلاق إثباتاً، فإنّ مقام الإثبات فرع مقام الثبوت، ومع الشكّ في إمكان الشيء لا يمكن إثباته بالإطلاق.

وأجاب عن ذلك المحقّق النائيني (رحمه الله)حلاّ ونقضاً:

أمـّا الحلّ: فبأنـّه ليس من شرائط الأخذ بإطلاق الكلام إثباتاً إحراز إمكان مفاده ثبوتاً مسبقاً على الأخذ به، بل بمجرّد احتمال الإمكان يأتي احتمال صدق الإطلاق الإثباتي، ومع احتمال الصدق يصبح حُجّة بدليل حجّيّة الظهور، ويثبت تعبّداً بالمدلول الالتزامي لذاك الظهور إمكان مفاده ثبوتاً.

وأمـّا النقض: فبأنّه لو كان من شرط الأخذ بالإطلاق إحرازُ إمكان مفاده، لبطل جميع الإطلاقات، فمثلاً لا يمكن الأخذ بإطلاق ﴿ أحل الله البيع﴾ لإثبات جعل صحّة البيع المعاطاتي، مع احتمال كون جعل صحّته مشتملاً ثبوتاً على مفاسد قبيحة على المولى، ولا يصدر القبيح من المولى، فقد شككنا في أصل صحّة هذا الجعل ثبوتاً، فكيف نتمسّك بالإطلاق في مقام الإثبات؟!

وما أفاده المحقّق النائيني (رحمه الله) نقضاً وحلاّ متينٌ، ووارد على هذا الوجه، بناءً على الأخذ فيه بنفس البيان الساذج الذي ذكرناه.

إلّا أنّ المحقّق العراقي (رحمه الله) فسّر(1) عبارة المحقّق الخراساني ببيان آخر أعمق، يسلم عمّا أورده عليه المحقّق النائيني، وهو: أنّنا إنّما نأخذ بالإطلاق لدى فرض جعل الحجّية للإطلاق، وجعل الحجّية حكم ظاهري، حاله حال الحكم الواقعي في كونه مشروطاً بالدخول في محلّ الابتلاء، وأيّ فرق في ذلك بين وجوب الاجتناب الواقعي ووجوب الاجتناب الظاهري؟! فمع الشكّ في الدخول في محلّ الابتلاء يشكّ في أصل معقوليّة جعل الحجّيّة للإطلاق في المقام.


(1) راجع نهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 345 ـ 346.