المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

233

الجواب الثاني: أنّ مختارنا في الشبهة المفهوميّة للمعارض المتّصل هو عدم جواز التمسّك بالعامّ، وأنّ حال احتمال المعارض المتّصل هو حال احتمال القرينة المتّصلة، كما وضّحنا ذلك في الجواب الأوّل.

فإن لم نفرّق في الأمر بين الشبهة المفهومية للمعارض المتّصل والشبهة المصداقية له، وألحقنا الشبهة المصداقية بالشبهة المفهومية في عدم جواز التمسّك فيها بالعامّ تنزّلاً عن الجواب الأوّل، كان لدينا في المقام جواب آخر وهو: أنّنا حتّى الآن فرضنا ارتكاز المناقضة عرفاً بين الحكم الواقعي والأصلين، حتّى إذا فرض عدم وصول أحدهما إلى العرف، لكنّنا نقول الآن: إنّ ارتكاز المناقضة إنّما يكون بين الحكم الواقعي والترخيص الشامل الواصل شموله إلى العرف بما هو عرف لكلّ الأطراف، فإذا كان أحد الترخيصين غير واصل إلى العرف بما هو عرف، فمجرّد وجوده الواقعي منضمّاً إلى الترخيص الآخر الواصل لا يناقض عرفاً الحكم الواقعي، فلا بأس إذن بالتمسّك بإطلاق دليل الأصل في كلّ واحد من الطرفين لإثبات


لدى الفهم العرفي التمسّك فيه بعموم (اكرم العلماء)، من دون فرق بين فرض الشبهة مفهوميّة، بأنْ كان مرتكباً للصغيرة، وشككنا في شمول مفهوم الفاسق لمن يرتكب الصغيرة، وفرضها مصداقية بأنْ شككنا في اقترافه للذنب وعدمه. فوعدني الاُستاذ الشهيد (رحمه الله) بالتفكير في ذلك إنْ سنحت له الفرصة، ثمّ لم يذكر لي شيئاً حول هذا الموضوع.

أقول: واقع المطلب هو أنـّه إذا كان العامّ بنحو القضية الحقيقية، لم يبقَ فرقٌ في عدم جواز التمسّك به بين الشبهة المفهومية لمعارضه المتّصل، والشبهة المصداقية؛ وذلك لأنـّه صحيح أنّ المولى لا يعلم في فرض الشبهة المصداقيّة بنصبه للمعارض، لكنّه في نفس الوقت ـ أيضاً ـ لا يعلم بأنّه هل أراد العموم في الفرد المشكوك، أو لا؟ إذ لو لم يكن ذاك الفرد مصداقاً للمعارض، فقد أراد العموم، وإن كان مصداقاً له، لم يرد العموم، وهو يعلم أنـّه إن لم يرد العموم، فقد نصب المعارض، فلا يرد أنـّه كيف اعتمد في المقام لإسقاط الظهور على نصب المعارض مع جهله هو بنصب المعارض، فإنّنا نقول: إنـّه يعلم بأنـّه على تقدير عدم إرادته للظهور قد نصب المعارض، ففي مثال (اكرم العلماء، ولا تكرم الفسّاق)، وإنْ لم يكن يعلم في العالم المشكوك فسقه بنحو الشبهة المصداقية بنصب المعارض، لكنّه يعلم بأنّه لو لم يكن مراداً من العموم؛ لكونه فاسقاً، فقد نصب المعارض، وفيما نحن فيه وإنْ لم يكن يعلم بنصب المعارض، وهو الأصل في الطرف المشكوك دخوله في محلّ الابتلاء بنحو الشبهة المصداقية، لكنّه يعلم بأنّ الأصل في الطرف المقطوع دخوله في محلّ الابتلاء لو لم يكن مراداً؛ لكون الفرد الآخر داخلاً في محلّ الابتلاء، فقد نصب المعارض.