المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

232

في الترخيص فيه، وهذا الظهور يكون معارضاً، لكن هذه المعارضة مخفيّة حتّى على نفس المولى بما هو مولى، لأنّ المولى ليس المفروض فيه ـ بقطع النظر عن علم الغيب ـ أنْ يكون مطّلعاً على حال المصداق، وهذا بخلاف الشبهة المفهوميّة التي يكون الشكّ فيها شكّاً لنا، لا للعرف، فإنّ المولى هناك على تقدير المعارضة قد نصب معارضاً واضح المعارضة، ومن الواضح: أنّ الطبع العقلائي الذي يتطلّب نصب المعارض ـ على أقلّ تقدير ـ لدى عدم إرادة المعنى الذي كان للكلام ظهور أوّليّ فيه لا يكتفي بمعارض مخفيّ المعارضة حتّى على نفس المولى، وإنـّما المقصود بذلك نصب معارض يعلم المتكلّم نفسه بمعارضته، وما دام المعارض في مورد الشبهة المصداقيّة غير معلوم المعارضة حتّى لدى المتكلّم، فلنا أنْ نأخذ بالإطلاق في الإناء المعلوم الدخول في محلّ الابتلاء، وليس ارتكاز المناقضة بين الواقع والأصلين قرينة على خروج هذا الإناء عن إطلاق دليل الأصل، حتّى يدخل ذلك في احتمال القرينة المتّصلة، وإنـّما هو قرينة على عدم إرادة الأصلين معاً، فيقع التعارض بين الأصلين، فهو داخل في احتمال المعارض، وحيث إنـّه لا يحتمل معارض نصبه المولى، وهو عالم به بما هو مولىً، إذن يؤخذ بظاهر الكلام في الإناء الداخل يقيناً تحت الابتلاء، ويثبت بذلك أنّ الأصل في الطرف الآخر مقيّد بفرض العلم بالدخول في محلّ الابتلاء، فإنـّه وإنْ كان دخل العلم بالموضوع في الحكم خلاف الإطلاق، لكنّ ظاهر حال المولى حينما يفرض بنحو القضيّة الحقيقيّة العلم بدخول أحد الطرفين في محلّ الابتلاء والشكّ في الآخر أنّ الإطلاق بالنسبة للأوّل مراد له، وبالنسبة للثاني ليس مراداً له؛ لأنـّه إن لم يرد الثاني فعلى الأقلّ اعتمد على جعل المعارض، وهو الأصل في الأوّل، ولكن إنْ لم يرد الأوّل لم يعتمد حتى على جعل المعارض؛ لأنّ فرض الشكّ في الدخول في محلّ الابتلاء مساوق لفرض شكّ نفس المتكلّم في ذلك، المساوق لفرض شكّه هو في جعل المعارض(1) .

 


(1) قلت لاُستاذنا الشهيد (رضوان الله عليه): إنّ بالإمكان التمثيل بمثال عرفيّ واضح يجسّد لنا عدم الفرق بين الشبهة المفهومية للمعارض المتّصل والشبهة المصداقية له في عدم جواز التمسّك بالعامّ، فلا يبقى ـ عندئذ ـ شيء عدا التفتيش عن النكتة الفنّيّة لذلك، وذلك المثال عبارة عمّا إذا قال المولى: «اكرم العلماءَ، ولا تكرم الفساقَ»، فقوله: «لا تكرم الفسّاق» معارض متّصل لعموم قوله: «اكرم العلماء»، وليس قرينة متّصلة؛ لأنـّه ليس أخصّ من الأوّل، وإنـّما النسبة بينهما عموم من وجه، فإذا شككنا في فسق عالم من العلماء نجد أنـّه ليس من الصحيح