المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

230

التمسّك فيها بالعموم أو الإطلاق ـ خصوص القسم الثاني دون الثالث.

أمـّا ما هو السرّ في التفصيل بين الشبهة المصداقية والمفهومية بإمكان التمسّك بالإطلاق في الاُولى دون الثانية، فهذا ما يتضح بالبيان التالي: ـ

إنّ مقتضى الطبيعة الأصليّة عقلائيّاً في المتكلّم هو أنـّه إنْ لم يرد معنىً من المعاني فهو يختار أحد اُمور ثلاثة: ـ

1 ـ أنْ يسكت عنه، ولا يتكلّم بكلام له ظهور أوّلي في ذلك.

2 ـ أنْ يتكلّم بكلام له ظهور أوّلي في ذلك، ولكنّه ينصب قرينة على خلافه، ويبطل بذلك الظهور.

3 ـ أنْ يتكلّم بكلام له ظهور أوّلي في ذلك، من دون أنْ ينصب القرينة على الخلاف، ولكنّه ينصب ـ على الأقلّ ـ معارضاً لذلك الظهور، كي يفني الظهور بذلك.

فإنْ لم يفعل شيئاً من هذه الاُمور الثلاثة، وتكلّم بكلام ظاهر في معنى، فعدم إرادته لذلك المعنى يعني مخالفته للطبع العقلائي، فيحمل كلامه على كون ظاهره مراداً له.

وهذه الاُمور الثلاثة ليست في عرض واحد، بل الأوّل والثاني منها أوفق بالطبع العقلائي من الثالث، فإنّ مقتضى الطبع العقلائي لدى عدم إرادة معنىً من المعاني هو السكوت عن ذلك المعنى، أو الإتيان بالقرينة على الخلاف، وأمـّا الاكتفاء بالإتيان المعارض فهو انحراف عن الطبع العقلائي، وإن كان ترك القرينة والمعارض معاً أقوى انحرافاً عنه.

إذا عرفت ذلك قلنا: إنّ الشكّ في المعارض المتّصل يكون على ثلاثة أقسام: ـ

القسم الأوّل: ما يكون من قبيل الشكّ في اكتناف الكلام بمعارض لم نسمعه أو سمعنا همهمة منه، فاحتملنا كونه نصباً للمعارض.

وفي هذا القسم يُتمسّك بالظهور الأوّلي للكلام، وينفى احتمال المعارض المتّصل بالأصل، ولا يكون حاله حال احتمال القرينة المتّصلة، وذلك لما عرفت من أنّ الاقتصار على نصب المعارض لدى عدم إرادة المعنى الأوّل، وإنْ كان خيراً من السكوت في الطبع العقلائي، لكنّه في نفسه انحراف عن الطبع العقلائي، لأنّ الطبع العقلائي يقتضي السكوت عن ذاك المعنى، أو نصب القرينة على الخلاف، وبما أنـّه لم يفعل شيئاً من هذين الأمرين كان الظهور الأوّلي لكلامه حُجّة لنا، وكان احتمال المعارض المتّصل منفيّاً بالأصل العقلائي، وهذا بخلاف احتمال القرينة المتّصلة، فهو لا ينفى بأصل عقلائي، لأنّ عدم إرادة المعنى مع نصب القرينة على خلاف ذاك