المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

225

تحصيل الحاصل عبارة عن تحصيل أمر في طول حصوله، وهو المحال، والأمر فيما نحن فيه ليس كذلك، وإنـّما هو تحصيل في عرض تحصيل آخر، فيصبح كلّ منهما بالفعل جزءاً للعلّة، فالعبد يوجد له محرّك إلى ترك جباية الضرائب في نفسه، والمولى يوجد محرّكاً آخر لذلك في عرض المحرّك الأوّل، وهو تكليفه بذلك، ولا علاقة لهذا بباب تحصيل الحاصل.

هذا تمام الكلام في أصل مسألة الخروج عن محلّ الابتلاء. ولنكمل هذا البحث بذكر اُمور: ـ

 

الخروج عن الابتلاء في موارد الايجاب

 

الأمر الأوّل: أنّ المحقّق العراقي (رحمه الله) ذكر: أنّ التكليف التحريمي مشروط بعدم كون الفعل أجنبيّاً عن المكلّف، وفسّر الأجنبيّة ـ كما مضتِ الإشارةُ إليه ـ بكون الفعل متوقّفاً على مقدّمات طويلة وصعبة، بحيث يعدّ الفعل عرفاً وعادة خارجاً عن تحت القدرة، وذكر: أنـّه كما يشترط في التحريم عدم كون الفعل أجنبياً عن المكلّف، كذلك يشترط في الإيجاب عدم كون الفعل أجنبياً عن المكلّف، فكما لا يصحّ أنْ يقال للفقير المستضعف لا تأخذ الضرائب من الناس، كذلك لا يصحّ أمره بأخذ


التكليف وداعويّته، والمفروض استحالتها، والجواب ينحصر ببيان أنّ هذا ليس تحصيلاً للحاصل؛ لأنـّه تحصيل في عرض تحصيل آخر، وليس تحصيلاً في طول الحصول.

هذا كلّه إذا قلنا: إنّ الحكم عبارة عن داعي البعث والتصدّي له، أو قل: إرادة الفعل إرادة تشريعيّة، أمـّا إذا قلنا: إنّ الحكم بنفسه بعث كما يقوله المحقّق الأصفهانيّ (رحمه الله)(1): فينصبّ الإشكال ابتداءً على نفس الحكم، فيقال: إنـّه تحصيل للحاصل، ولكن عندئذ ـ أيضاً ـ لا يمكن الجواب عنه بأنّ هدف المولى تمكين العبد من قصد القربة، فإنّ أصل البعث يجب أنْ يصبح ممكناً حتّى يقال بعد ذلك: إنّ الهدف من هذا البعث هو تمكين العبد من قصد القربة، في حين أن صاحب الإشكال يقول: إنّ أصل البعث غير ممكن؛ لأنـّه تحصيل للحاصل، فينحصر ـ أيضاً ـ جوابه في القول بأنّ هذا تحصيل في عرض تحصيل آخر، وليس تحصيلاً في طول الحصول، كي يكون مستحيلاً.


(1) راجع نهاية الدراية: ج 2، ص 42 ـ 43.