المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

224

ليس خصوص تحريك العبد نحو تحصيل المبادىء، بل يوجد هنا غرض آخر أيضاً، وهو أنْ يتمكّن العبد من التقرّب إلى مولاه، بكون عمله بداعي أمر المولى وطلبه، فتكمل بذلك روحيّاته ومعنويّاته، وقد ثبت في الفقه أنـّه تكفي في قصد القربة المحرّكيّة التامّة للداعي الإلهي في نفسه وإنْ انضمّ إليه صدفة داع آخر غير الرياء، فأصبح بالفعل كلّ منهما جزء العلة، وقد ورد في وصيّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر: ( ليكن لك في كل شي نيّة حتّى في النوم والأكل )(1)

ويوجد في الكلمات تقريب آخر أيضاً في المقام، يذكر لبيان اشتراط التكليف بالدخول في محل الابتلاء (2) عن إشكال تحصيل الحاصل المحال عقلاً، لأنّ تحريك المولى للعبد الذي هو روح الحكم، مع فرض تحرّك العبد في نفسه، عبارة عن تحصيل الحاصل المحال.

ويرد عليه: ـ مضافاً إلى ما عرفته في الجواب الثاني من جوابي التقريب السابق، من عدم انحصار الغرض في مجرّد التحريك نحو تحصيل الملاك(3) ـ أنّ


(1) راجع البحار: ج77، ص82 0

(2) راجع الكفاية: ج2، ص 218 بحسب الطبعة المشتملة على تعليقة المشكيني، أو نهاية الافكار: ج2، ص 252 0

(3)ينبغي أن يكون مقصود مَنْ يعترض بإشكال لزوم تحصيل الحاصل: أنّ خلق الداعي في نفس العبد الذي يكون المورد خارجاً عن محلّ ابتلائه محال؛ لأنّ تكوّن الداعي في نفسه بسبب التكليف تحصيل للحاصل، لا أن يكون مقصوده أنّ تكوّن داعي التحريك للعبد في نفس المولى تحصيل للحاصل، فهذا الإشكال ينبغي أن يختلف عن إشكال اللغويّة في أنّ إشكال اللغويّة كان ينصبّ ابتداءً على الداعي المتكوّن في نفس المولى لتحريك العبد، فيقال: هذا عبارة عن داعي العبث واللغو؛ لأنّ تحرّك العبد مضمون، وعندئذ كان من المعقول أنْ يجاب عنه بأنـّه قد لا يكون الداعي المتكوّن في نفس المولى عبارة عن داعي تحريك العبد، بل يكون عبارة عن داعي تمكين العبد من قصد القربة، أمّا إشكال تحصيل الحاصل، فينبغي أنْ ينصبّ أوّلاً على تكوّن الداعي في نفس العبد، فيقال: إنّ الداعي موجود في نفسه بطبعه، وداعويّة التكليف له تعني تحصيل الحاصل، فإذا استحالت داعويّة التكليف للعبد استحال تكوّن داعي التحريك في نفس المولى، فإذا كان هذا هو المقصود فهذا ـ كما ترى ـ لا يمكن الجواب عنه بأنّ المولى قد لا يقصد تحريك العبد، وإنـّما يقصد تمكينه من قصد القربة؛ إذ لو كانت داعويّة التكليف للعبد تحصيلاً للحاصل ومحالاً استحال تمكين العبد من قصد القربة، فإنّ قصد القربة يعني محرّكيّة