المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

223

الكاشف عنه، وهو الخطاب(1)، وعندئذ نقول: إنـّه توجد في كلماتهم (قدّس الله أسرارهم) في مقام بيان اشتراط التكليف بالدخول في محلّ الابتلاء ما يمكن حمله بالتحليل على هذا المدلول للخطاب، وذلك من قبيل ما يقال من اشكال اللغوية، فيقال مثلاً: إنّ المقصود من تحريك المولى للعبد هو أنْ يتحرك العبد نحو تحصيل المبادىء، فإذا كان تحرّكه نحو ذلك مضموناً بحسب طبع المطلب أصبح ذلك لغواً، وبلا فائدة، فهو عبث، والعبث لا يصدر من المولى؛ لقبحه مثلاً، فالإشكال هنا ليس عبارة عن القبح العقلائي، كما في التقريب الأوّل، بل هو عبارة عن المحذور العقلي بلحاظ لغويّة نفس مدلول الخطاب(2) .

والتحقيق: أنّ هذا التقريب غيرُ تامٍّ، فإنـّه لو اُريدت مجاراة هذا الطرز من التفكير، والمشي معه، للزم أنْ يقال بشرائط كثيرة في التكليف، دون خصوص شرط الدخول في محلّ الابتلاء، وذلك كأنْ يقال: إنـّما يحرم القتل على من بيده آلة القتل، لأنـّه ما لم تكن بيده آلة من آلات القتل يكون عدم القتل مضموناً، فيكفي في ردع الناس عن القتل تحريمه على من بيده آلة من آلاته، ويكون تحريمه على من ليست بيده لغواً وعبثاً؛ لأنّ القتل لا يكون إلّا بعد أخذها بيده مثلاً.

والواقع: أنّ هذا الطرز من التفكير ليس بصحيح لوجهين: ـ

الأوّل: أنّ هذا لو تمّ فإنـّما يتمّ في الخطاب الجزئي، كتوجيه الخطاب إلى شخص هذا المستضعف بقوله: لا تظلمْ الناس بجباية الصدقات؛ إذ هذا صرف جهد، وإيجاد فعل من دون فائدة وأثر، وهو لغوٌ وعبث، أمـّا لو كان ذلك بنحو الحكم العامّ، كما لو قال: يحرم الظلم بجباية الضرائب، فلا مورد فيه لهذا الإشكال، فإنّ إطلاق الكلام ليس مؤونة زائدة، وفعلاً زائداً صدر من المولى، حتى يقال: إنـّه لغوٌ وعبثٌ، لعدم ترتّب فائدة عليه.

والثاني: أنّ الغرض من التكاليف ـ كما نبّه عليه السيّد الاُستاد (3) في المقام ـ


(1) إنْ كان الملاك عبارة عن مصلحة فيما عجز عنه، لا عن مفسدة في نقيضه، استحال زوال الملاك بالعجز؛ لأنّ العجز عن شيء لا يحصّص ذلك الشيء إلى حصّتين، كي يفترض اختصاص الملاك بإحدى الحصتين.

(2) راجع أجود التقريرات: ج 2، ص 251، وراجع الكفاية: ج 2، ص 218 بحسب الطبعة المشتملة على تعليق المشكيني.

(3) راجع الدراسات ج 3 ص 254، ومصباح الاُصول ج 2 ص 295 ـ 296.