المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

222

الابتلاء يرجع بعد التحليل إلى الحديث عن ذات الخطاب بما هو كلام، وعبارة صادرة عن مولىً مقيّد بالآداب العرفية، والالتزامات العقلائيّة، من قبيل ما يقال: إنّ المولى إذا ذهب إلى شخص من الناس المستضعفين وقال له: لا تظلم الناس بجباية الضرائب بغير الوجه الشرعيّ، فالعقلاء يستهجنون هذا الكلام منه، ويستهزئون به، بسبب هذا الكلام(1) .

وهذا ـ كما ترى ـ يرجع إلى إشكال في نفس الخطاب بما هو عبارة صادرة من المتكلّم الملتزم بالجهات العرفية والعقلائية، ولذا ترى أنّ هذا الاستهجان ثابت ـ ولو بشكل أخفّ ـ فيما لو وجّه الخطاب إلى ذلك الانسان الضعيف، مشروطاً بشرط الدخول في محلّ الابتلاء، بأنْ قال: إذا أصبحت سلطاناً فلا تظلمْ الناسَ بجباية الضرائب، وذلك بوجود نفس نكتة الاستهجان فيه، بالرغم من كونه تكليفاً مشرطاً بالدخول في محلّ الابتلاء.

ولهذا ترى أيضاً أنّ هذا الاستهجان غير ثابت في الخطاب إذا كان بالعموم والإطلاق وإن شمل هذا الشخص، بأنْ يقول: لا يجوز أنْ يظلم أحدٌ أحداً بجباية الضرائب بغير وجه شرعيّ.

والخلاصة: أنّ هذا الإشكال قشريّ غير راجع إلى مدلول الخطاب، وينبغي غضّ النظر عنه، وعطف عنان الكلام إلى أنـّه هل يوجد وجه لاشتراط مدلول الخطاب بالدخول في محلّ الابتلاء، أو لا؟

فنقول: إنّ من المداليل التصديقية للخطاب ثبوت مبادىء الحكم من الملاك والحب والبغض، وقد ظهرت في المقام الأوّل استحالة دخل وصف الدخول في محلّ الابتلاء فيه، فهل يوجد هنا مدلول تصديقي آخر للخطاب كي يرى أنـّه هل هو مشروط بالدخول في محلّ الابتلاء، أو غير مشروط، أو لا يوجد شيء من هذا القبيل؟ الصحيح: أنّ هذا يختلف باختلاف المورد، والغالب في الأدلّة اللفظية وجود مدلول زائد على المبادىء، فليست الخطابات من قبيل مجرّد الأخبار عن ثبوت المبادىء، بل تدلّ على شيء آخر، وهو كون المولى في مقام التحريك المولوي، وخلق الباعث المولوي لمن تمّت بشأنه تلك المبادىء؛ ولذا نقول بعدم شمول الخطاب للعاجز، ومن هنا نقول بعدم معلوميّة ثبوت الملاك بشأن العاجز؛ لانتفاء


(1) راجع المقالات: ج 2، ص 92، ونهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 338 ـ 339، وفوائد الاُصول: ج 4، ص 17 و 18.