المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

220


وإن كان بمعنى العجز عن المعصية لم يعقل تاثيره على التنجيز؛ لأنّ القبيح لا يسقط قبحه بالعجز عنه، فضرب اليتيم قبيح ولو عجزنا عنه، ومخالفةُ الملاكِ الملزم، أو الخطاب الذي صدر من مولى كان جاهلاً بعجز العبد عن المخالفة قبيحةٌ، حتّى مع عجزنا عنها.

وبكلمة اُخرى: أنّ تأثير عدم القدرة في فرض العجز عن الامتثال على التنجيز كان بمعنى خروج حصّة خاصّة من المخالفة، وهي المخالفة الاضطرارية، من دائرة مولويّة المولى، فالمخالفة الاختيارية هي الداخلة فحسب في دائرة مولويّة المولى، دون الاضطراريّة، ولا توجد حصّة ثالثة يفسّر بخروجها عن دائرة المولويّة تأثير عدم القدرة في التنجيز في فرض العجز عن المعصية، فإنّ العاجز عن المعصية لا يتصوّر صدور مخالفة عنه، كي يقال: إنّ تلك المخالفة خرجت عن دائرة حقّ المولويّة.

وبكلمة ثالثة: أنّ هناك فرقاً كبيراً بين تأثير العجز عن المخالفة على الملاك، وتأثيره على التنجيز، بعد فرض ثبوت الملاك، فالأوّل معقولٌ، والثاني غير معقول. والفرق بينهما هو: أنّ العجز عن المخالفة وإنْ لم يخلق حصّة ثالثة للمخالفة غير الاختيارية والاضطرارية، لكنّ معنى تأثيره على الملاك أنّ نفس عدم القدرة كان مشبعاً لحاجة المولى، لا من باب صيرورة عدم المخالفة مضموناً، بل من باب أنّ حاجة المولى كانت متعلّقة بالجامع بين عدم القدرة والفعل، فإذا تحقق عدم القدرة اشبعت حاجة المولى، فانتفى الملاك، ولم يكن فرض الفعل يستبطن في أحشائه فرض القدرة؛ لإمكان تصوّر الفعل الاضطراري، وأمّا في باب التنجيز فليس الكلام في حاجة قد تشبع بنفس عدم القدرة، فلا يبقى معنى لتأثير عدم القدرة لدى العجز عن المخالفة في رفع التنجيز، عدا فرض حصّة ثالثة للمخالفة تخرج عن دائرة مولوية المولى، ولا توجد حصّة ثالثة للمخالفة.

فإنْ قلت: إنّ التنجيز ينتفي بالعجز عن المعصية؛ لأنّ التنجيز عبارة عن انشغال عهدة المكلف عقلاً بشيء، وحينما يكون المكلّف منساقاً إلى الموافقة من دون اختياره، لا معنى لانشغال عهدته بشيء.

قلت: إنْ قصد بانشغال العهدة مُجرّد أمر اعتباريّ ووهميّ، فلا قيمة له. وإنْ قصد به ثبوت حقّ المولويّة، فالعجزُ عن مخالفة الحقّ لا يخرج شيئاً عن دائرة حقّ المولويّة، لعدم خلق حصّة ثالثة للمخالفة. أو قل: إنّ العجز عن القبيح لا ينهي قبح القبيح.

ثم إنّ العجز عن المعصية حينما لا يؤثّر على الملاك، ولا على التنجيز لا إشكال في أنـّه يؤثّر على انحلال العلم الإجمالي انحلالاً حكميّاً، فإنّ خروج أحد الطرفين عن قدرة الارتكاب نهائيّاً، يوجب جريان الأصل في الطرف الآخر بنحو ما عرفت في الخروج عن محلّ الابتلاء، سواء آمنّا بما قاله اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) من أنّ الخروج عن محلّ الابتلاء يوجب انصراف دليل