المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

217


أنّ الترخيص ثابت له بالفعل وقبل الإرادة، لأنّ الترخيص كسائر الأحكام التكليفية لا يعقل تقييده بالإرادة، فإنّ الأحكام إنـّما جعلت لكي تكون موجّهة للإرادة، ولا معنى لتخصيصها بالإرادة.

والجواب: أنـّه ليس المفروض تخصيص الترخيص بالإرادة، وإنـّما المفروض اختصاصه بذاك الجوّ النفسي الذي يترقّب فيه حصول الإرادة، فيأتي حكم الشرع في فرض ذاك الجوّ، لكي يوجّه الإرادة بالمنع أو الترخيص، فيقول: إنْ دخل في محلّ ابتلائك جاز لك فعله، أو حرم عليك فعله، ولا عيب في تصوير الحكم بهذا الشكل.

وقد تقول: لئن فرضنا انصراف دليل الأصل عن الفرد الخارج عن محلّ الابتلاء لزم القول بانصراف دليل الأمارة أيضاً عنه؛ لأنّ حُجّية الأمارة ـ أيضاً ـ كحجّية الأصل قائمة على أساس التزاحم الحفظي، فهل تلتزمون بذلك؟ وإذا تعارضت بيّنة الطهارة في الإناء الخارج عن محلّ الابتلاء مع بيّنة الطهارة في الإناء الداخل في محلّ الابتلاء لدى العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما، فهل تقولون بحجّيّة البيّنة الثانية بلا معارض؟!

والجواب: أنـّه لا بأس بالالتزام بعدم حجّيّة البيّنة الاُولى في مدلولها المطابقي بنفس النكتة التي قلنا بعدم حُجّيّة الأصل في الخارج عن محلّ الابتلاء، ولكن إذا دلّت بالالتزام على نجاسة الإناء الآخر أصبحت طرفاً للمعارضة مع بيّنة طهارة ذاك الإناء على أساس التكاذب، وتساقطتا.

ولا يأتي هنا إشكال تبعية الدلالة الالتزاميّة للمطابقيّة في الحجّيّة، فإنّ هذا الإشكال إنـّما يكون فيما إذا كان عدم الحجّيّة بلحاظ نقص فيه، كالابتلاء بالمعارض مثلاً، لا بلحاظ عدم وجود أثر في المتعلّق، فلو دلّت الأمارة على أنّ عدد السماوات سبع، وكان ذلك ملازماً لحكم شرعي، فهي حُجّة في إثبات الحكم الشرعي، وإن لم تكن حجّة في إثبات عدد السماوات، لعدم الأثر.

نعم، لو لم تتم هذه الدلالة الالتزامية لكون العلم الإجمالي قائماً على أساس حساب الاحتمالات، مع فرض عدم إخلال مقدار الكشف الفعلي لأمارة الطهارة بذاك الحساب المولّد للعلم الإجمالي، فلا بأس بالقول بحجّيّة البيّنة القائمة على طهارة الإناء الداخل في محلّ الابتلاء.

هذا غاية ما أمكننا توجيه كلام اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) به في المقام، من القول باختصاص الترخيص بفرض الدخول في محلّ الابتلاء.

ولكنّ الإنصاف أنّ اختصاص الترخيص بفرض الدخول في محلّ الابتلاء مع عدم تحصّص المخالفة ـ بواسطة الدخول في محلّ الابتلاء، والخروج عنه ـ إلى حصّتين غير معقول، وما مضى منّا من فرض تضييق الجعل، رغم عدم تحصّص المتعلّق لا معنى له، فإنّ تضييق الجعل لا يتصوّر إلّا بأحد معنيين: