المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

216

نجاسته، الذي هو في آخر الصين، ويكون العبد قادراً عقلاً على تحصيله، فهو بالدقّة العقليّة قد فتح باباً لتفويت الغرض اللزومي، وإن أوجب الاحتياط بالنسبة له، فهو بالدقّة العقليّة ضيّق على العبد، لكنّ هذا التزاحم الدقّي العقلي غير مفهوم عند العرف، فالعرف يرى أنّ الغرض الإلزامي في نفسه مضمون الحصول، وانّ مصلحة كون العبد في سعة لا تفوت بعدم الترخيص في ارتكاب هذا الإناء، ولا يحصل من ذلك أيُّ ضيق على العبد، ومن هنا يصبح دليل الأصل منصرفاً عن الطرف الخارج عن محلّ الابتلاء(1) فيجري الأصل في الطرف الآخر


(1) قد تقول: إنّ تخصيص الترخيص في المخالفة بفرض كون المخالفة داخلة في محلّ الابتلاء غير معقول؛ لأنّ الدخول في محلّ الابتلاء لا يحصّص المخالفة إلى حصّتين كي يرخّص في أحداهما، وهذا سنخ ما قاله اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) من أنّ شرطيّة الدخول في محلّ الابتلاء في تنجيز حرمة المخالفة غير معقول؛ لأنـّه لا يحصّص المخالفة إلى حصّتين، أو أنّ دخله في وجود الملاك في الفعل غير معقول؛ لأنـّه لا يحصّص الفعل إلى حصّتين.

والجواب عن ذلك هو: أنّ متعلّق التنجيز هو ذات المخالفة، ولا يمكن فرض ضيق فيه إلّا بضيق متعلّقه، فلا يمكن فرض اختصاص التنجيز بصورة الدخول في محلّ الابتلاء، إلّا بتحصيص المخالفة، وكذلك متعلّق الملاك يفترض ذات الفعل، ولا يمكن فرض ضيق فيه إلّا بضيق متعلّقه، فلا يتعقّل فرض اختصاصه بصورة الدخول في محلّ الابتلاء، إلّا بتحصيص الفعل. وأمّا الترخيص الشرعي فهو أمر يكون قوامه بجعل الشارع، وهو أمر اختياري للشارع، وتخصيصه بفرض الدخول في محلّ الابتلاء لا يتوقّف على تحصيص الفعل أو المخالفة؛ لإمكان تضييق الجعل مباشرة من دون تقييد المتعلّق، وذلك بأنْ يجعل الترخيص مشروطاً بالدخول في محلّ الابتلاء، لا أنْ يجعل الترخيص مخصوصاً بالحصّة الداخلة في محلّ الابتلاء. نعم، حينما يكون المتعلّق قابلاً للتحصيص فتضييق الجعل يؤدّي لا محالة إلى تحصيص المتعلّق، فلو قيّد الجعل وجوب الصلاة بزوال الشمس أصبح الواجب ـ لا محالة ـ هي تلك الصلاة المقترنة بتحقّق زوال الشمس، لكنّ المفروض فيما نحن فيه أنّ المتعلّق غير قابل للتحصيص. وبكلمة اُخرى: أنّ الترخيص لم يكن نابعاً من ضعف في ذات الملاك الإلزامي الموجود في المتعلّق، كي يقال: إنّ ذلك لا يعقّل إلّا في فرض تحصّص المتعلّق إلى حصّتين، حتى يمكن تصوير ضعف الملاك في إحداهما، وإنـّما كان نابعاً من التزاحم الحفظي بين الملاكين، فانصرف إلى ما إذا كان هذا التزاحم ملحوظاً عرفاً، وهو في فرض الدخول في محلّ الابتلاء.

وقد تقول: لا شكّ في أنـّه لو أراد شرب ما كان خارجاً عن محلّ ابتلائه جاز له ذلك، بقطع النظر عن الأصل المعارض، وذلك لأنّ إرادته لذلك تساوق دخوله في محلّ ابتلائه، وهذا يعني