المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

214

وأما المقام الثاني ـ هو دخل وصف الدخول في محلّ الابتلاء في الخطاب وعدمه فالواقع أنّ هذا غير مربوط بغرض الاُصولي أصلاً؛ لأنّ ما يستهدفه الاُصوليّ من هذا البحث إنْ كان هو كشف الملاك وعدمه، حيث إنّ الخطاب لو ثبت كشفَ عن الملاك، وإلّا فلا دليل على الملاك، فهذا لا موقع له بعد ما عرفنا في المقام الأوّل من استحالة دخل هذا الوصف في الملاك، فالملاك ثابت على كلّ حال، وإنْ كان هو بيان عدم قابلية الخارج عن محل الابتلاء للتنجّز، لأنّ العلم بالملاك وحده لا يوجب التنجيز، ويشترط في التنجيز ثبوت الخطاب، ورد عليه: إنّ هذا إنـّما يتمّ حينما يكون انتفاء الخطاب من باب قصور الملاك عن تحريك المولى نحو الخطاب، فإنّ المطلوب من العبد عقلاً، والمنجَّز عليه ليس هو الاهتمام العملي باغراض المولى، أكثر من اهتمام المولى نفسه بانجاز مقاصده عن طريق الخطاب والتشريع، أمـّا إذا كان انتفاء الخطاب لمانع خارجي، كعدم القدرة على التكلّم أو استهجان الخطاب، كما يُدّعى فيما نحن فيه، في حين أنّ الملاك في ذاته لا قصور فيه، فهنا يحكم العقل


حصة ناشئة عن اختيار الترك، رغم سهولة الفعل على العبد، وحصة مقترنة بصعوبة الفعل على العبد، ويمكن افتراض اختصاص المصلحة بخصوص الحصة الاُولى.

والجواب: أنّه إنْ قُصد بافتراض اختصاص المصلحة بخصوص الترك المقترن بسهولة الفعل كون هذا القيد من قبيل قيد الواجب، بحيث يجب على العبد أنْ يسعى في سبيل إدخال ماهو خارج عن محلّ ابتلائه في محلّ ابتلائه، ثم يتركه، فهذا أمر معقول، ولكنْ ليس هذا هو المفروض في المقام.

أما إذا فرض أنّه ليس المطلوب إدخاله في محلّ الابتلاء، وأنّ المصلحة إنّما هي في جامع الترك، فلا يعقل افتراض كون الدخول في محلّ الابتلاء دخيلاً في الملاك؛ لأنّ هذا يعني أنّ حاجة المولى ليست في خصوص الترك، بل في الجامع بين الخروج عن محلّ الابتلاء والترك، فالخروج عن محلّ الابتلاء أشبع حاجة المولى، فلا يهمّه ـ عندئذ ـ التركُ أو إنهاء الترك.

وهذا ـ كما ترى ـ لامعنى له؛ فإنّ الخروج عن محلّ الابتلاء إنّما يشبع حاجة المولى بمعنى ضمانة للترك، لابمعنى كونه بديلاً عن الترك، بحيث لايغيظ المولى كسر الترك، فإنّ كسر الترك يتضمّن في احشائه معنى الدخول في محلّ الابتلاء، وإنْ شئت فقل: إنّ اختصاص المصلحة بخصوص الترك المقترن بدخول الفعل في محلّ الابتلاء، إنْ كان بمعنى وجوب إدخاله في محلّ الابتلاء فهو خلف المفروض، وإنْ كان بمعنى تضييق في الوجوب، لافي الواجب، فهذا التضييق لابُدّ أنْ يؤدّي إلى تحصيص في الضد العام المبغوض أيضاً؛ لأنّ تضييق الوجوب يضيّق ـ لامحالة ـ حرمة الضدّ العامّ، والضدّ العامّ للترك ـ وهو الفعل ـ لايقبل التحصيص إلى حصتين، بالدخول في محلّ الابتلاء والخروج عنه كما عرفت.