المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

213

بينهما أنّ القدرة تحصّص الفعل(1) المتحقق من العبد إلى حصتين: الحصّة الناشئة بلا قدرة، كحركة يد المشلول القهرية، والحصة الناشئة عن القدرة كحركة يد الانسان السالم الاختيارية، فمن المعقول أنْ تكون الحصةُ الاُولى ذات مفسدة، دون الحصة الثانية. وأمـّا وصف الدخول في محلّ الابتلاء فلا يحصّص فعل العبد إلى حصتين، حتى يفرض أنّ إحداهما مشتملة على المفسدة، والاُخرى غير مشتملة عليها، إذ فرض تحقق الفعل مساوق لفرض دخوله في محلّ الابتلاء، لأنّ خروجه عنه عبارة عن عدم ترقّب وقوعه من العبد، وفرض وقوعه مساوق لفرض ترقب وقوعه بتحمل الصعاب، أو بعدم تنفر النفس من الخبائث مثلا، أو باجبار النفس على الاقدام على ما تتنفر منه، ونحو ذلك(2).

 


(1) قد تقول: إنّ القدرة أو عدمها ـ بمعنى ضرورة صدور الفعل ـ هي التي تحصّص الفعل إلى حصّتين: حصّة تصدر عن اختيار، وحصّة تصدر بلا اختيار. أمّا القدرة في مقابل العجز عن الفعل، واستحالة صدور الفعل، فلا تحصّص الفعل إلى حصّتين، فبناءً على استحالة دخل الدخول في محلّ الابتلاء في الملاك يستحيل أيضاً دخل العجز التكويني عن الفعل في الملاك.

والجواب: أنّ ذات القدرة، التي ليس لها إلّا معنى واحد ـ وهي السلطنة على الفعل والترك معاً ـ تحصص الفعل بوجودها وعدمها إلى حصتين: فعل مقترن بالقدرة، وفعل مقترن بعدمها، ومعنى دخل القدرة في الملاك: انّ حاجة المولى لا تتقوّم بخصوص الترك مثلاً، بل تتقوّم بالجامع بين عدم القدرة والترك، فمع فرض حصول عدم القدرة ترتفع الحاجة إلى الترك، فعدم القدرة وإن كان قد يتجسّد في العجز عن الفعل وضرورة الترك، لكنّ معنى دخل القدرة في الملاك: أنّ المولى لم يكن بحاجة إلى هذا الترك ما دامت القدرة مفقودة، لأنّ عدم القدرة أشبع حاجة المولى، فلو كان ينتفي الترك فرضاً رغم عدم القدرة لم يكن يضرّ ذلك بالمولى شيئاً، وفرض انتفاء التركِ لا يساوق فرض القدرة، إذ أنّ انتفاء الترك له مصداقان: فقد يتجسّد بالفعل عن قدرة، وقد يتجسّد بالفعل لا عن قدرة، وهذا بخلاف الخروج عن محلّ الابتلاء، مع ثبوت القدرة، فإنّ انتفاء الترك هنا مساوق للدخول في محلّ الابتلاء، فلا يمكن أنْ يقال: إنّ الخروج عن محلّ الابتلاء أشبع حاجة المولى، إلّا بمعنى أنّ الخروج عن محلّ الابتلاء ضمن الترك للمولى، أمّا اشباعه لحاجة المولى، بمعنى أنـّه لا يهمه صدور الفعل، وانتفاء الترك، فلا معنى له، لأنّ صدور الفعل أو انتفاء الترك يستبطن في احشائه عدم الخروج عن محلّ الابتلاء.

(2)قد تقول: إنّ هذا الكلام إنّما يأتي فيما إذا فرضت المفسدة في الفعل، فعندئذ لايعقل كون الدخول في محلّ الابتلاء دخيلاً في الملاك، لأنّه لايحصص الفعل إلى حصتين، أمّا إذا افترضت المصلحة في الترك، فمن الواضح أنّ دخول الفعل في محلّ الابتلاء يحصص الترك إلى حصتين: