المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

209

 

طروّ الاضطرار بعد العلم بالتكليف

الأمر الثالث: إذا طرأ الاضطرار بعد العلم بالتكليف، فإنْ كان اضطراراً إلى المعيّن، فلا إشكال في أنـّه يرفع التكليف على تقدير كونه في ذاك الطرف، وقد مضى أنّ العلم الإجماليّ ـ عندئذ ـ باق على تنجيزه للطرف الآخر؛ لأنـّه يعلم إجمالاً بثبوت التكليف إمّا في الطرف الأوّل قبل الاضطرار، أو في الطرف الثاني حتّى بعد الاضطرار.

وأمـّا إذا كان اضطراراً إلى غير المعيّن، فقد عرفت أنّ الترخيص الثابت بلحاظ الاضطرار إلى غير المعيّن لا ينافي أصل التكليف الواقعي أصلاً، بل ولا إطلاقه، خلافاً لما ذهب إليه المحقّق الخراسانيّ (رحمه الله) من منافاته للتكليف الواقعيّ، وأنـّه بالاضطرار ينتفي التكليف رأساً، ثمّ بعد ارتكاب أحد الطرفين يحتمل عود التكليف؛ لكونه في الطرف الآخر مع زوال الاضطرار.

والمقصود هنا أنْ نرى أنـّه على تقدير التنزّل وتسليم منافاته لأصل التكليف الواقعي، هل يتشكّل هنا ـ أيضاً ـ علم إجمالي منجِّز نظير العلم الإجماليّ بالتكليف فيما إذا كان الاضطرار إلى المعيّن، أو لا يكون حال الاضطرار إلى غير المعيّن هو حال الاضطرار إلى المعيّن في ذلك؟

والتحقيق: هو التفصيل في المقام بينما إذا علم من أوّل الأمر بأنـّه بعد حصول الاضطرار سوف يرفع اضطراره بأحد الطرفين المعيّن عنده الآن وبينما إذا لم يعلم أنـّه هل سوف يدفع اضطراره بهذا أو بذاك.

ففي القسم الأوّل لا يجوز له ارتكاب الفرد الآخر بعد رفع الاضطرار بالفرد الأوّل؛ لأنـّه كان يعلم إجمالاً بأنـّه إمـّا يحرم عليه الفرد الأوّل قبل الاضطرار، أو يحرم عليه الفرد الثاني بعد رفع الاضطرار.

وفي القسم الثاني يجوز له ارتكاب الفرد الآخر بعد رفع الاضطرار بالفرد الأوّل؛ لأنـّه لم يكن له من أوّل الأمر مثل هذا العلم الإجماليّ، وإنـّما كان يعلم إجمالاً بحرمة أحد الفردين قبل الاضطرار، وكان يشكّ أنّ الحرمة على كلّ واحد من التقديرين، أي: سواء كانت في هذا أو في ذاك هل هي حرمة مختصّة بما قبل الاضطرار، أو ثابتة بعد رفع الاضطرار أيضاً، وهذا تردّدٌ بين الأقلّ والأكثر، فيأخذ