المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

188

العلم سيزول في الزمان الثاني بالشكّ الساري، وعندئذ:

تارةً يفرض أنّ عدم جريان الاُصول في أطراف العلم الإجماليّ يكون بملاك القبح العقلي للترخيص في المخالفة القطعيّة، فهنا لا بأس بجريان الاُصول؛ إذ لا تلزم مخالفة قطعيّة لا في الزمان الأوّل؛ لأنّه لم يحن وقت الحكم الثاني، ولا في الزمان الثاني؛ لأنـّه يتبدّل علمه في ذاك الزمان إلى الشكّ في أصل التكليف.

نعم، إذا كان الحكم المتأخّر له أثر في زمان الحكم السابق، وهو وجوب حفظ القدرة والإتيان بالمقدّمات المفوّتة، فعندئذ إنْ احتمل أنـّه لو حفظ قدرته الآن فسوف يمتثل الحكم الثاني في زمانه بالرغم من تبدّل علمه إلى الشكّ، فالآن لابدّ له من الإتيان بالواجب الأوّل، وحفظ القدرة للواجب الثاني، ثم إذا جاء زمان الواجب الثاني، وزال عنه علمه جاز له ترك ذلك الواجب، وأمّا إنْ علم بأنـّه سوف لا يمتثل الحكم الثاني في زمانه، بل يتركه اعتماداً على الأصل، فعلمه الآن لا ينجّز عليه شيئاً.

ولو لم يعلم بأنـّه سوف يتبدّل علمه إلى الشكّ الساري، ولكن احتمل ذلك، جاء هنا ما مضى من شبهة التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة.

واُخرى يفرض أنّ عدم جريان الاُصول يكون بملاك ارتكاز المناقضة، فلعلّه يمكن أنْ يقال ـ عندئذ ـ بأنّ الارتكاز هنا غير موجود، فإنّ صيرورة الحكم الثاني طرفاً للعلم الإجمالي ليست (1) بأعظمَ من القطع بثبوت حكم في زمان متأخّر، مع العلم


(1) صحيح أنّ هذه ليست بأعظم من ذاك، ولكن في فرض القطع بثبوت حكم في زمان متأخّر يكون مصبّ المحذور ـ لو كان ـ هو الأصل المتأخّر وحده، والمفروض أنّ ذاك الأصل غير جار بلحاظ زمان يوجد فيه العلم، إذن فلا محذور فيه. وأمّا فيما نحن فيه، فالمحذور ـ لو كان ـ هو محذور الارتكاز القائم بمجموع الأصلين بسبب كون أحدهما جارياً بلحاظ زمان يوجد فيه العلم، وهو الأصل الأوّل، والظاهر أنّ هذا كاف في ثبوت الارتكاز ما دام الأصل الأوّل يعتقد تأثيره في الترخيص في المخالفة القطعيّة، وهذا الارتكاز لا يؤدّي إلى سقوط كلا الأصلين؛ وذلك لأحد أمرين:

(الأوّل): أنّ الارتكاز إنـّما يحكم بعدم جريان مجموع الأصلين، وإنـّما يؤدّي ذلك إلى سقوطهما معاً بنكتة أنّ التمسّك بدليل الأصل في أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح، وهذه النكتة غير موجودة في المقام؛ لأنّ احتمال سقوط خصوص الأصل الملحوظ فيه زمان زوال العلم، وبقاء الأصل الملحوظ فيه زمان العلم غير موجود، بخلاف العكس، وبهذا يتعيّن الأصل الملحوظ فيه زمان العلم للسقوط، ونتمسّك بإطلاق دليل الأصل لإثبات الأصل الآخر، سنخ ما