المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

105

فإن قيل: إنّ طرفيه عبارة عن وجوب الحجّ ووجوب أداء الدين، قلنا: إنـّه لا يعقل تحقّق هذا العلم الإجماليّ، حتى قبل إجراء الأصل الشرعيّ والعقليّ المؤمّن عن وجوب أداء الدين، فإنـّه وإن فرض أنّ المكلّف يحتمل تنجّز أداء الدين عليه، ويحتمل عدم تنجّزه، وعلى تقدير عدم تنجّزه يجب عليه الحجّ، لكن ليس هنا علم إجماليّ بوجوب أحد الأمرين؛ إذ من المحتمل أن يكون وجوب أداء الدين منجّزاً عليه من دون أن يكون هذا الوجوب ثابتاً في الوقع، لأنّ التنجّز واللابديّة العقليّة، وكذا الشرعيّة الظاهريّة لا يستلزم ثبوت الحكم واقعاً. وعلى هذا الفرض لا يجب عليه أداء الدين كما هو المفروض، ولا الحجّ؛ لتوقّف وجوبه على عدم تنجّز أداء الدين، والمفروض تنجّزه.

وإن قيل: إنّ طرفيه عبارة عن وجوب الحجّ وتنجّز أداء الدين، قلنا: لا معنى للشكّ في تنجّز أداء الدين وعدمه بعد أن استقرّ عند كلّ شخص مبانيه في العلم الاجماليّ والشكّ البدويّ، من المنجّزيّة وعدم المنجّزيّة وغير ذلك، بل إمـّا يحصل القطع بتنجّزه، وإمـّا يحصل القطع بعدم تنجّزه.

وعلى أيّة حال، فالصحيح في المقام: أنّ الأصل يجري في الطرف الذي اُخذ عدمه في موضوع الآخر، ويثبت وجوب الآخر واقعاً إن كان مترتّباً على عدم وجوب الأوّل ولو ظاهراً، أو عدم تنجّزه، وإمـّا إن كان مترتّباً على عدم وجوب الأوّل واقعاً، فهذا العلم الإجماليّ لا يمنع عن جريان الاستصحاب في الطرف الأوّل، والتأمين من ناحيته بذلك، وإثبات وجوب الطرف الثاني ظاهراً بإحراز موضوعه بالاستحصاب، بناءً على مبنانا من عدم علّيّة العلم الإجماليّ لوجوب الموافقة القطعيّة، وعدم مانعيّته عن الاستصحاب في أحد الطرفين من دون معارض.

وفي الختام لا بأس ببيان الحال في ما ذكره المحقّق العراقي (رحمه الله)من أنّ العلم الإجماليّ يجب أن ينجّز كلا طرفيه في عرض واحد، فإذا لم يمكن ذلك لم يؤثّر العلم الإجماليّ في التنجيز.

وهذا صحيح بناءً على ما يحكم به عقلنا من أنّ الموافقة القطعيّة ـ بما هي موافقة قطعيّة ـ واجبة للتكليف المعلوم بالإجمال. ومن المعلوم أنّ الإتيان بكلّ واحد من الطرفين جزء للموافقة القطعيّة والتنجّز الثابت للمجموع، وهو الموافقة القطعيّة، ينبسط ـ لا محالة ـ على الأجزاء على حدّ سواء.

وهذا الكلام صحيح حتى على مبنانا: من أنّ العلم الإجماليّ ليس بياناً إلاّ