المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

98

إلاّ أنّ هذا الاحتمال أيضاً مدفوع عندنا؛ وذلك لأنّ حمل النصّ على بيان الملازمة بين الحلّ وعدم ورود النهي لا التعليق خلاف الظاهر، فإنّ الظاهر من ذكر المولى حكماً مع تقييد مدلول كلامه بشيء كون ذلك الشيء موضوعاً لذلك الحكم، لا ملازماً لموضوعه مثلاً.

والتحقيق: أنّ هذا الوجه ـ حتّى مع هذه الضميمة في المقام ـ لا يتمّ، ولا يمكن إبطال جميع الاحتمالات سوى الاحتمال المساعد على المقصود؛ وذلك لوجهين:

الأوّل: أنّ هنا معنىً رابعاً للإطلاق والإباحة، وإن شئت جعلته شقّاً ثانياً لما مضى من المعنى الثاني، وهو الإباحة الواقعيّة. وتوضيح ذلك: أنّ المولى تارةً يفرض أنّه اطّلع على المفسدة في اُمور، وعدم المفسدة في اُمور، فحرّم القسم الأوّل، وأحلّ القسم الثاني، فهذه حرمة واقعيّة حقيقيّة مع ما يُقابلها من حلّيّة واقعيّة حقيقيّة، واُخرى يفرض أنّه بعد أن شرّع التحريمات والإباحات رأى أنّه قد يختفي على العبد ما شرّعه مولاه ويشكّ في ذلك، ففي ظرف الشكّ في ذلك إمّا أن يوجب عليه الاحتياط، أو يرخّصه في الترك، وهذه هي الحرمة الظاهريّة مع ما يقابلها من الحلّيّة الظاهريّة، وثالثة يفرض أنّه لم يشرّع بعدُ تمام أحكامه إمّا لأنّه لم يتأمّل بعد في تمام الاُمور حتّى يقف على ما يشتمل على المفسدة وما لا يشتمل عليها، أو أنّه وإن تأمّل في تمامها ـ أو لا يحتاج أصلاً إلى التأمّل كما في مولانا سبحانه وتعالى ـ إلاّ أنّ هناك مصلحة في التدرّج في تشريع الأحكام مثلاً كما هو الواقع في أحكام شريعتنا، فعندئذ ـ قبل أن يتمّ تشريعاته ـ قد يفرض أنّه يحرّم على العبد كلّ ما لم يُصدر بعدُ حكمه احتياطاً منه وحفظاً لعبده عن ارتكاب ما فيه المفسدة قبل تماميّة التشريع. وهذا ليس من التحريمات الواقعيّة المتعارفة، لعدم نشوئه من المفسدة في نفس الشيء المحرّم بالخصوص، وليس تحريماً ظاهريّاً، لعدم كون موضوعه الشكّ في الواقع والمفروض عدم ثبوت واقع بعدُ وراء هذا الحكم.