المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

81

وهذا عرفاً من ألسنة بيان جعل البراءة والعذر.

وقد اُورد على الاستدلال بهذه الآية بوجوه:

الأوّل: سنخ ما مضى في الآية السابقة من أنّها في مقام التحدّث عن معاملته ـ تعالى ـ مع الاُمم السابقة في العذاب الدنيويّ، ولا علاقة لها بعذاب الآخرة.

وقد ظهر جوابه ممّا سبق، فإنّه لا منشأ لذلك عدا الإتيان بصيغة الماضي، وهذا لا يوجب الحمل على التحدّث عمّا مضى في الاُمم السابقة، فإنّه لمّا كان بصدد نفي الشأنيّة الثابت من أوّل الأمر دون الفعليّة ناسب الإتيان بصيغة الماضي.

الثاني: أنّ الآية دلّت على نفي قسم من أقسام العذاب لا تمام أقسامه، وهذا ـ في الحقيقة ـ إنّما يرد على أحد الاحتمالين في الآية. وتوضيح ذلك: أنّ الإضلال تارةً يفسّر بمعنى النسبة إلى الضلال كما يقال: (فسّقت زيداً)، أي: نسبته إلى الفسق، واُخرى يفسّر بمعنى إيجاد الضلال، فعلى الأوّل لا إشكال في دلالة الآية على البراءة، فإنّ ظاهر قوله: (لا أنسبهم إلى الضلال ما لم يحصل لهم البيان) هو أنّهم معذورون من قِبلي. وأمّا على الثاني فليس المقصود بالضلال خروج الإنسان من دائرة التديّن إلى دائرة عدم التدّين الذي هو مربوط باختيار نفس الإنسان(1)،



(1) بل يحتمل أن يكون هذا مقصوداً، ويكون وزان هذه الآية وزان الآيات الناسبة لهداية الناس وضلالهم إلى الله، وهما بالفعل منتسبان إلى الله بمعنىً لا ينافي الاختيار. ولا يخفى أنّ الآية لو حملت على هذا المعنى، أو على معنى النسبة إلى الضلال فدلالتها على البراءة ليست بحاجة إلى ضمّ مقدّمة كون السياق دالّاً على نفي الشأنيّة لا فعليّة العذاب، ويكفي في الدلالة أنّها نفت الضلال بمعنى عدم التديّن، وهذا لا يكون إلاّ مع فرض جعل البراءة. أمّا لو حملت على معنى الخذلان والضلال عن رحمة الله فنحن بحاجة إلى ضمّ تلك المقدّمة لتتميم الدلالة؛ لأنّ نفي فعليّة الخذلان أعمّ من نفي الاستحقاق.