المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

80

يكون من القسم الأوّل من البيان الذي هو أعمّ من الوصول إلى كلّ فرد فرد، وبعد فرض عدم الموضوعيّة لبعث الرسول كما يقتضيه الارتكاز العرفيّ نتعدّى إلى مطلق البيان بالمعنى الأوّل، فتدلّ الآية الشريفة على عدم شأنيّة العذاب عند عدم إبراز المولى لمطلوبه، وهذا ممّا يستقلّ به العقل، فإنّ العقل حاكم بأنّ الغرض الذي ليس في أهمّيّته لدى المولى بدرجة يحرّك المولى نحو إبرازه وتحصيله بالبيان ويبقى ساكتاً عنه لا يجب على العبد تحصيله، ونحن إنّما أنكرنا قبح العقاب عند عدم البيان بمعنى عدم الوصول، لا بمعنى عدم الإبراز، وكم فرق بين هذه الآية التي علّقت العذاب على بعث الله ـ تعالى ـ للرسول، فدلّت على أنّه يشترط في العذاب صدور البيان من الله، والآية السابقة التي أضافت البيان إلى النفس، فدلّت على اشتراط وصول البيان إلى كلّ نفس نفس؛ لأنّ القضيّة انحلاليّة.

 

الآية الثالثة:

قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ﴾(1). دلّت الآية على عدم مؤاخذة العبد عند عدم البيان، وهو المقصود بالبراءة، وليس المراد نفي مجرّد الفعليّة؛ لما عرفت من أنّ هذا التركيب يستعمل في نفي الشأنيّة، وليس المقصود من نفي الشأنيّة نفي إمكان صحّة العقاب ذاتاً، حتّى يقال: إنّنا لم ننكر صحّة العقاب ذاتاً؛ إذ قلنا بعدم قبح العقاب بلا بيان، فيكون العقاب بمجرّد عدم جعل البراءة صحيحاً، أو يقال: إنّه يصحّ العقاب ولو لأجل صحّة جعل الاحتياط، وإنّما المقصود من نفي الشأنيّة أنّه ليس من شأن هذا المولى بما هو مولىً رؤوف بعباده أن يؤاخذهم، ويجعلهم في ضيق بلحاظ أمر مّا ما لم يبيّن لهم،



(1) سورة 9 التوبة، الآية: 115.