المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

79

على أنّ سياق الآية يناسب أن يكون النظر إطلاقاً، أو اختصاصاً إلى العذاب الاُخرويّ؛ إذ فيما قبل الآية(1) يتحدّث عن يوم القيامة، وفي نفس هذه الآية يتكلّم عن قانونين: أوّلهما: قانون اُخرويّ، قال تعالى: ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾، فالقاعدة الاُولى هي: أنّ غير العاصي لا يعذّب بعذاب العاصي، وكلّ شخص تكون هدايته وضلاله له وعليه، وهذا من قوانين جزاء الآخرة، بل لا ينطبق على عذاب الدنيا أصلاً، فإنّ الذي لا يتعدى العاصي إلى غيره إنّما هو عذاب الآخرة الذي بابه باب الحسن والقبح، دون عذاب الدنيا الذي بابه باب الآثار الوضعيّة، فقد يكون الأثر الوضعيّ أعمّ وأشمل من المعصية، ويبتلي به غير العاصي بواسطة عصيان العاصي، كما صرّحت جملة من الأخبار بذلك، وأشار إليه قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً﴾(2). والقاعدة الثانية هي عدم العذاب من دون بعث الرسول المفروض التعدّي منه إلى مطلق البيان، فمقتضى السياق كون هذا ناظراً أيضاً إلى عالم الآخرة.

والتحقيق: مع ذلك كلّه عدم تماميّة الاستدلال بالآية الشريفة على البراءة الشرعيّة لا المساوية درجة مع البراءة العقليّة ولا الأرقى منها؛ وذلك لأنّ عدم البيان على قسمين: تارةً يكون بمعنى عدم بيان المولى لمطلوبه ـ أي: عدم إبرازه ـ واُخرى يكون بمعنى عدم الوصول بعد فرض صدور أصل البيان، وبعث الرسول



(1) والآيتان اللتان وقعتا قبل هذه الآية ما يلي: ﴿وَكُلّ إِنسَان أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾.

(2) سورة 8 الأنفال، الآية: 25.