المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

78

لأعصي الله)، أو (عاصياً لله)، وهذا السياق من التعبير في مورد عدم الشأنيّة وارد في جملة الآيات القرآنيّة(1).

ومن هنا يظهر دفع الوجه الثاني بعد ما عرفت من أنّه لا شاهد على كون الآية بصدد التحدّث عن العذاب الواقع في الاُمم السالفة عدا التعبير بصيغة الماضي، ووجه الاندفاع هو أنّ التعبير بالماضي يكون بنكتة أنّ المقصود هو نفي الشأنيّة لا نفي الفعليّة، والشأنيّة منفيّة من أوّل الأمر.



(1) قد يقول قائل: إنّ هذا السياق لو كان يناسب نفي الاستحقاق فحسب لا نفي خصوص الفعليّة، لزم عدم مناسبة هذا السياق للمورد في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون﴾(1) بداهة أنّ وجود الرسول(صلى الله عليه وآله)فيه لا ينفي الاستحقاق، وإنّما ينفي الفعليّة، وكذلك الاستغفار لا يرفع استحقاق العقاب، وإنّما يرفع فعليّة العقاب منّةً من الله ـ تعالى ـ على العباد.

والجواب: أنّ المدّعى ليس هو كون هذا السياق مناسباً لنفي الاستحقاق فحسب، بل المدّعى كونه مناسباً لنفي الشأنيّة فحسب، ونفي الشأنيّة في العقاب الاُخرويّ يكون بنفي الاستحقاق، إلاّ أنّ قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِم﴾ ينظر إلى العقاب الدنيويّ، ونفي الشأنيّة في العقاب الدنيوي ليس بنفي الاستحقاق فحسب، بل هناك تأثيرات وضعيّة ونظم خاصّة مرتبطة بشأنيّة إنزال العذاب في الدنيا، فالله ـ تعالى ـ يخبر بأنّه ليس من شأنه إنزال العذاب الذي هو بدافع هداية الآخرين على الاُمّة مع وجود الرسول فيهم رغم استحقاق الاُمّة؛ لما فيه من هلاك الرسول معهم المرسل لهداية الناس، وليس من شأنه أيضاً إنزال العذاب في الدنيا وهم يستغفرون؛ لأنّ العذاب في الدنيا يكون بدافع الهداية، والاستغفار هداية وحصول للمقصود، فلا معنى لإنزال العذاب.


(1) سورة 8 الأنفال، الآية: 33.